https://2img.net/r/ihimizer/img59/4880/41267843.gif
https://2img.net/r/ihimizer/img59/4880/41267843.gif
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مواضيع مماثلة
    المواضيع الأخيرة
    » الشيخ احمد مجاهد واجمل قصه خالد وحسان
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالإثنين يوليو 20, 2015 5:48 am من طرف حمزاوي79

    » اسطوانة تعليم الاطفال (الحروف والارقام وحفظ القران)
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء يناير 07, 2015 7:08 am من طرف السيدالدمياطى

    » هل سئمت من حاسوبك التقيل ادخل الان وحمل البرنامج الدي يجعل حاسوبك اخف ب 10 مراة
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء يناير 07, 2015 7:05 am من طرف السيدالدمياطى

    » حصريا النورتن 2009 مجانا + الكرك
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة أبريل 19, 2013 6:12 pm من طرف yhyh

    » تعلم صيانه نوكيا n73 فيديو
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء فبراير 20, 2013 2:01 pm من طرف ع الوزني

    » شرائط الشيخ احمد مجاهد
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالإثنين فبراير 04, 2013 3:48 am من طرف eng england

    » سعر الأرض المباني بالقرية
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأحد ديسمبر 30, 2012 7:40 pm من طرف amr_gamal0000

    » الشيخ عربى عبدالحميد
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالسبت ديسمبر 08, 2012 1:18 pm من طرف wael_5757

    » احمد محاهد
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالسبت ديسمبر 08, 2012 1:03 pm من طرف wael_5757

    » مكالمة مجانية من الكمبيوتر نحو أي هاتف بالعالم (مجرب) فرصة العمر
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالسبت ديسمبر 01, 2012 11:33 am من طرف azizaziz01

    » الشيخ احمد مجاهد واجمل قصه وحيد والهام
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالخميس نوفمبر 15, 2012 12:38 pm من طرف mmsh

    » اقرأ دستورك وقول رايك _ رايك من دماغك
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأحد نوفمبر 04, 2012 5:47 am من طرف ابو وفاء

    » موسوعه العربى فرحان
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأحد نوفمبر 04, 2012 5:30 am من طرف ابو وفاء

    » ]طريقة اصلاح اعطال بعض الاجهزه
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة أكتوبر 12, 2012 11:39 am من طرف فيجو

    » الشيخ احمد مجاهد
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأحد أكتوبر 07, 2012 12:13 am من طرف نبيل سويلم

    » حصربا برنامج التحويل من صيغة Jar إلي SiS أو العكس!!!
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 14, 2012 2:24 am من طرف ali_amr404

    » اكبر مكتبة ذكر ومديح في مصر
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالإثنين أغسطس 13, 2012 2:39 pm من طرف حازم اف ام

    » لعبة الجار المزعج الجديدة كاملة وشغالة مية المية وجرب بنفسك
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالخميس يوليو 19, 2012 1:21 pm من طرف lobna_lolo

    » العربى فرحات+الموالد الاصلية+مش موجودة الا فى ميت لوزه وبس
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة يوليو 06, 2012 12:14 pm من طرف issa_20100

    » دي مجموعه قصائد من روائع الشيخ ياسين التهامي
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة يوليو 06, 2012 12:11 pm من طرف issa_20100

    » مدح وزكر فى النبى
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة يونيو 01, 2012 6:42 pm من طرف وليد سلامة

    » مولود جديد
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالخميس مايو 10, 2012 7:49 pm من طرف hani_alnadi

    » الف مبروووك للاهلى
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالخميس مايو 10, 2012 7:44 pm من طرف hani_alnadi

    » لا ول مره ويندوز فيستا عربى
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة أبريل 20, 2012 9:56 am من طرف ابوالعينين1000

    » برنامج ال black list لل N70
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة أبريل 20, 2012 9:30 am من طرف عبدالرحيم يحيى

    »  برنامج ((ProAgent 2.1)) لسرقة باسورد الايميل
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة أبريل 13, 2012 7:14 am من طرف ابو وفاء

    » لاول مره برنامج كاسبر عربي لجوال نوكيا N70
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة أبريل 13, 2012 6:53 am من طرف ابو وفاء

    » الرهيب نود32 بآخر إصدار لحماية تامة Nod32 2.70.37
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء مارس 07, 2012 10:16 am من طرف shaban99

    » الاصحاب والمال
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالجمعة مارس 02, 2012 2:11 pm من طرف محمدعلى 27سنه

    » المصاحف الكاملة ( جودة عاليه - رابط واحد مباشر )
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء فبراير 29, 2012 12:31 am من طرف احمد طنطاوى

    » عجائب من صنع البشر !!
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء فبراير 29, 2012 12:15 am من طرف احمد طنطاوى

    » حصريا وانفراد البوم اصاله الجديد
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 28, 2012 11:43 pm من طرف احمد طنطاوى

    » اجمل ما غنت مياده الحناوى
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 28, 2012 11:42 pm من طرف احمد طنطاوى

    » حصريا - عمرو دياب - الله على حبك انت - جامده جدا من الالبوم القادم
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 28, 2012 11:41 pm من طرف احمد طنطاوى

    » كلمه لايكتبها الكمبيوتر مهما كان!!!!!
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالخميس فبراير 16, 2012 8:59 pm من طرف aiman550

    » الهجوم على مرتضى منصور
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالخميس فبراير 02, 2012 8:50 pm من طرف alaabo51

    » موقع جميييييييييييييييييل للكتب
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالسبت يناير 28, 2012 10:37 am من طرف الحاج سعد ابو علي

    » إيجار سيارات وليموزين وخدمات سياحية بأقل الأسعار
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 28, 2011 6:55 am من طرف توورست كار

    » أحدث أنواع السيارات والليموزين والخدمات السياحية
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 28, 2011 6:50 am من طرف توورست كار

    » مواويل احمد مجاهد
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 27, 2011 10:19 am من طرف aiman550

    التبادل الاعلاني
    احداث منتدى مجاني
    أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
    ابو شهد - 514
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    ابو وفاء - 320
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    aboseaf - 279
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    ناصرالأقصى - 183
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    هشام 2010 - 170
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    ملك روحى - 159
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    ابراهيم احمد عبده مقبل1 - 144
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    مجرد انسانه - 128
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    the tiger - 121
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    wael - 116
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_rcapسلسلة التربيه اسلاميه كامله Voting_barسلسلة التربيه اسلاميه كامله Vote_lcap 
    انت غير مسجل استعن بالله واضغط هنا للتسجيل

    رسالة الترحيب. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا
    انت غير مسجل استعن بالله واضغط هنا للتسجيل

    رسالة الترحيب. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

     

     سلسلة التربيه اسلاميه كامله

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 6:51 am

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تربيه الابناء فى الاسلام تنقسم الى اقسام كثيره
    سنتكلم عنها على حلقات
    ونبداء باقسام التربيه فهى تنقسم الى

    أ-التربية الإيمانية
    ب-التربية العبادية
    ج-التربية الأخلاقية
    د-التربية النفسية
    هه-التربية العلمية
    و- التربيةالاجتماعية
    ز-التربية السلبيه
    ح-
    زاد المربي
    ط-وسائل التربية
    أ-التربية الإيمانية

    ونتقسم الى
    1-ضرورة تعليم العقيدة للناشئة
    2-لكـنَّ الله يَـرانـي
    3-كيف أرسخ حب النبي في قلب ولدي؟
    4-أطفالنا وحب الله عز وجل
    5-أطفالنا وحب الرسول صلى الله عليه وسلم
    6-أطفالنا وحب الإسلام
    7-التربية العليا على محبة الله
    8-حتى نعمر بيوتنا بالإيمان
    9-التربية الدينية للأطفال
    10-الطفل وأركان الإسلام .. الشهادتين
    11-مع الـطـفـل والقـرآن الكـريـم
    12-منهج لتربية أطفالنا من القرآن والسنة
    13-أطفالنا في رحاب الإسلام
    14- أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي
    1-ضرورة تعليم العقيدة للناشئة

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد:
    فإن حاجتنا إلى العقيدة فوق كل حاجة، وضرورتنا إليها فوق كل ضرورة ، لأنه لا سعادة للقلوب ، ولا نعيم ، ولا سرور إلا بأن تعبد ربها وفاطرها تعالى .
    ولقد أرسل الله رسله جميعاً بالدعوة إلى التوحيد قال تعالى [ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ][النحل :36] ويقرر الله سبحانه وتعالى أيضاً هذه الحقيقة ويؤكدها ، ويكررها في قصة كل رسول على وجه الانفراد[ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ][المؤمنون : 23]
    [ وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ ] [الأعراف : 65]
    وهي الكلمة نفسها التي تكررت على لسان صالح وشعيب وموسى وعيسى- عليهم الصلاة والسلام- ، حتى أصبحت قاعدة عامة : [ ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبدُونِ ] [الأنبياء : 25]
    فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وهو أول ما يدخل به المرء في الإسلام ، وأخر ما يخرج به من الدنيا ، فهو أول واجب وآخر واجب .
    ولقد أمضى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حياته في الدعوة إلى هذه العقيدة وجاهد أعدائه من أجلها قال صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ...) (رواه الشيخان)
    بل وأرسل رسله وأمرهم أن يبدءوا بالدعوة إلى العقيدة قبل كل شيء كما في قصة معاذ بن جبل- رضي الله عنه -عندما بعثه إلى اليمن : قال إنك تأتى قوماً أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه : عبادة الله وحده ، فإن هم أطاعوا لذلك ....) (أخرجه الشيخان)
    وإن من الصور الظاهرة في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العقيدة حرصه على دعوة الأطفال إليها وغرسه لها في قلوبهم وتعليمه صلى الله عليه وسلم العقيدة لهم بأسلوب واضح ومناسب وكذلك سار أصحابه رضي الله عنهم من بعده على هذا وقد راجعت عدداً من كتب السنة والسيرة مراجعة أولية فوجدت شواهد كثيرة جداً لذلك أشرت إلى شيء منها في أهمية الموضوع وسوف أقوم إن شاء الله بجرد عدد من هذه الكتب وأستخرج ما فيها مما له علاقة بهذا الموضوع .
    بل و لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر العقيدة في مرحلة متقدمة جداً من مراحل الطفولة وهي مرحلة الولادة, كما في حديث التأذين في أذن المولود , قال ابن القيم (رحمه الله) في بيان سر ذلك :
    (وسر التأذين والله أعلم أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها.... وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها) (1)

    ولذلك فمن الواجب على الأمة جميعاً وعلى الآباء والأمهات والمعلمين أن يسعو بجد لتقريب هذه العقيدة للناشئة خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرة فيه فتن الشبهات وفتن الشهوات وكثر فيه دعاة الظلال وتنوعت أساليبهم ومناهجهم لذلك يجب على المربين والمصلحين أن يغرسوا في قلوبهم الناشئة حب هذه العقيدة والثبات عليها في كل أحوالهم ولعلي من خلال النقاط التالية أذكر بإيجاز شيء مما يبين ضرورة تعليم العقيدة للناشئة وشدة حاجة الأمة لذلك مع سرد بعض النماذج من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فمن ما يبين أهمية هذا الموضوع :

    1- أن الاهتمام بتعليم العقيدة للناس ودعوتهم لها ولاسيما الصغار هو منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمصلحين من بعدهم ومن ذلك قوله تعالى عن نوح في دعوته لولده وتحذيره من مصاحبة أهل الضلال ( يَا بَنِيَّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) وكذلك يقول تعالى عن إبراهيم حين وصى بها أبناءه (ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ) وفي أول وصايا لقمان لأبنه تحذيره له من الشرك قال تعالى (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوصي ابن عباس رضي الله عنهما فيقول ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ........... ).
    2- أن في العناية بعقيدة الصغار إقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن الإقتداء به عبادة لله عز وجل وسبب للتوفيق للحكمة, قال سعيد بن إسماعيل الزاهد: ( من أقر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة, ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة, لأن الله يقول: (وإن تطيعوه تهدوا)(2)
    3- تعليم العقيدة رأس العلوم وأساسها ، فإذا تعلم الطفل العقيدة وغرست في قلبه وفق المنهج النبوي فالعبادات وسائر فروع الدين تأتي بالتبع
    4- ما نراه من إهمال بعض الآباء تعليم أولادهم أمور دينهم وأهمها أمر العقيدة بحجة أنهم مازالوا صغار فإذا كبروا لم يستطيعوا تعليمهم, كما أشار إلى ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله حيث قال : ( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه, وتركه سدا فقد أساء غاية الإساءة, وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه, فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم,ولم ينفعوا آباءهم كباراً)(3)
    5- أن الاهتمام بتعليم الأطفال وتنشئتهم على الاعتقاد الصحيح هو سبب حماية الأمة بإذن الله من الزيغ والضلال ولذلك لما قال رجل للأعمش (رحمه الله) هؤلاء الغلمان حولك ؟! قال : اسكت هؤلاء يحفظون عليك أمر دينك .(4)
    6- كثرة البرامج الموجهة للأطفال في وسائل الإعلام (المرئية والمسموعة والمقروءة) والتي يهدف كثير منها إلى غرس عقائد فاسدة في نفوس الأطفال يقابل ذلك إهمال تعليمهم العقيدة السليمة ولذلك تتأصل في نفوسهم هذه العقائد الباطلة .
    7- وجود خطر عظيم على عقائد الأطفال من بعض الخادمات الموجودة في المنازل والتي تسعى لمحاربة ما عند الأطفال من فطر سليمة وتغذيهم بعقائد فاسدة حتى تتأصل هذه العقائد في نفوس أولئك الناشئة في حال غياب الرقيب المدرك لخطورة ذلك الأمر.
    8 - ما أوصى به عدد من العلماء والباحثين من وجوب الاعتناء بأمر الصغار وتعليمهم العقيدة والتركيز عليها بالأسلوب المناسب ومنهم على سبيل المثال :
    أ) الإمام ابن القيم (رحمه الله) في تحفة المولود حيث قال عن الأطفال :
    (فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا ) (5)
    ب) الإمام/ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) في مقدمة كتابه تعليم الصبيان التوحيد حيث قال ( فهذه رسالة نافعة. فيما يجب على الإنسان أن يعلم الصبيان قبل تعلمهم القرآن ) وغيرهم كثير (6)
    9- أن تعليم العقيدة الصحيحة للصغير أفضل وأسهل في قبولها من تعليمه بعد ذلك لأنها موافقة للفطرة التي فطر عليها ولم يصل إليها ما يدنسها من أفكار مخالفة ولأن التعليم في الصغر ليس كالتعليم في الكبر إذ الكبير تكثر عنده الشواغل والصوارف وقد قيل في الحكمة (التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.... )
    أن الاهتمام بتربية النشء على عقيدة صحيحة واضحة سبب عظيم في عصمته من الفتن والانحرافات في حياته المستقبلية والواقع يشهد لهذا فيمن نشأ على عقيدة سلفية بسلامته من مظاهر الانحراف ( الشرك أو البدع أو الفتن)
    11- الخلط الواقع عند كثير من الباحثين في علوم التربية بل والخطاء العظيم في هذا الباب حيث زعم بعضهم أن تعليم العقيدة لا يناسب عقول الصغار ومن ذلك :
    قول (رو سو) فيما نقل عنه أن الطفل لا يعلم شيئا عن الله حتى يبلغ الثامنة عشر لأن الطفل كما زعم لا يدرك هذه المعاني في هذا العمر.(7)
    وترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لهؤلاء الباحثين الذين لم تستنر نظرياتهم بنور النبوة وعقيدة الإسلام يساهم في انتشار هذه المبادئ ، وعليه فإن بيان المنهج النبوي في تعليم العقيدة يدحض مثل تلك النظريات ولذا فسوف أسوق في أخر هذا البحث نماذج يسيرة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم تبين كيف كان اهتمامهم بتعليم العقيدة للناشئة في مراحل متقدمة من حياتهم كما أنني عازم إن شاء الله على الكتابة في هذا الموضوع بشكل موسع بعد إكمال استعراضي لكثير من كتب السنة والسيرة ييسر الله لي إتمام ذلك .
    12- مما يدل على ضرورة تعليم العقيدة للناشئة أن المخالفين لأهل الإسلام ولأهل السنة خصوصاً يهتمون بغرس العقائد في قلوب أطفالهم ، فاليهود مثلاً يهتمون اهتماماً بالغاً بتعليم أطفالهم عقائدهم ولقد ذكر الإمام ابن القيم (رحمه الله) عنهم أنهم كانوا كثيرا ما يسمون أولادهم ب ( عما نويل ) ومعنى هذه الكلمة إلهنا معنا
    والرافضة يعلمون أولادهم بغض الصحابة حتى إنهم يخفون لعبة الطفل فإذا طلبها قالوا له أخذها بكير (يعنون أبو بكر رضي الله عنه ) حتى ينشأ الطفل على كره أبي بكر رضي الله عنه .

    أخيراً :
    نماذج من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تبين كيف كان اهتمامه بعقيدة الناشئة وهي نماذج كثيرة منها على سبيل المثال :

    1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة . صحيح البخاري ج3/ص1233

    2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ثم قال أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة . صحيح البخاري ج2/ص542 وأنظرشرحه في فتح الباري ج3/ص355

    3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .... ) صحيح البخاري ج1/ص456

    4- عن أبي موسى رضي الله عنه قال ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى صحيح البخاري ج5/ص2081

    5- عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله .....) صحيح البخاري ج3/ص1195

    6- عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله .... ) صحيح البخاري ج5/ص2056

    7- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ) الترمذي ج4/ص667

    8- عن أبي رافع رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة.... ) الترمذي ج4/ص97 وقال هذا حديث حسن صحيح

    9- عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر( اللهم اهدني .... وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت ) سنن أبي داود ج2/ص63

    10- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك ) الترمذي ج5/ص59

    11 - عن معاذ رضي الله عنه قال أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال .... وأنفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله . مسند أحمد بن حنبل ج5/ص238

    12- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني فان لامني أحد من أهل بيته قال دعوه فلو قدر أو قال لو قضي أن يكون كان . مسند أحمد بن حنبل ج3/ص231

    13- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة أو قال يوم فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال ( يا فتى قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة .... ) المستدرك ج2/ص382

    14- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض الغلام فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال ( يا غلام أسلم قل لا إله إلا الله فجعل الغلام ينظر إلى أبيه فقال له أبوه قل ما يقول لك محمد صلى الله عليه وسلم فقال لا إله إلا الله وأسلم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه صلوا عليه وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ) المستدرك ج4/ص323

    15- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح نصارى بنى تغلب على أن لا ينصروا الأبناء فإن فعلوا فلا عهد لهم قال علي لو فرغت لقاتلتهم . مصنف عبد الرزاق ج6/ص50

    16- عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربى صغيرا حتى يقول لا إله إلا الله لم يحاسبه الله . المعجم الأوسط ج5/ص130

    17- عن علي رضي الله عنه قال قال رسو الله صلى الله عليه وسلم أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن ....) ذكره في كنز العمال ج16/ص189

    18- عن ابن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح أولادكم فعلموهم لا إله إلا الله ثم لا تبالوا متى ماتوا) عمل اليوم والليلة لابن السني ج1/ص373

    19- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا على صبيانكم أول كلمة لا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله .... ) شعب الإيمان ج6/ص398

    وأما هدي الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فكثير ومنه على سبيل المثال
    1- عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان لا يدع يهوديا ولا نصرانيا ينصر ولده ولا يهوده في ملك العرب . مصنف عبد الرزاق ج6/ص48
    2- عن كردوس التغلبي قال قدم على عمر رضي الله عنه رجل من تغلب فقال له عمر إنه قد كان لكم نصيب في الجاهلية فخذوا نصيبكم من الإسلام فصالحه على أن أضعف عليهم الجزية ولا ينصروا الأبناء . مصنف عبد الرزاق ج6/ص50
    3- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال موضع التميمة من الإنسان والطفل شرك . مصنف ابن أبي شيبة ج5/ص35
    4- عن جندب البجلي رضي الله عنه قال كنا فتيانا حزاورة مع نبينا صلى الله عليه وسلم فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان . شعب الإيمان ج1/ص76
    5- وهذه أم سليم الرميصاء أم أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أسلمت وكان أنس صغيراً ، لم يفطم بعد ، فجعلت تلقن أنساً قل : لا إله إلا الله ، قل أشهد أن لا إله إلا الله ، ففعل ، فيقول لها أبوه : لا تفسدي على ابني فتقول : إني لا أفسده . سير أعلام النبلاء 2/305

    هذه بعض الأمثلة وهي كثيرة جداً أسأل الله أن ييسر لي إتمام جمعها وأن ينفع بهذا الموضوع وأن يرد الأمة إليه رداً جميلاً
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

    -----------------------------------------------------
    (1) تحفة المودود ص31
    (2) كتاب الجامع للخطيب البغدادي
    (3) تحفة المودود ص22
    (4) الكفاية في علم الرواية ص115
    (5) تحفة المودود ص231
    (6) من أمثال 1) الدكتور/ عبد العزيز آل عبد اللطيف في كتاب له بعنوان مقرر التوحيد
    2) عدنان حسن باحارث في رسالة تكميلية لنيل الماجستير بعنوان (مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة)
    3) الدكتورة وفاء العساف – وكيلة مركز دراسات الطالبات في جامعة الإمام ووفاء طيبة - محاضرة بقسم علم النفس كلية التربية جامعة الملك سعود في حوار نشر في موقع لها اون لاين بعنوان (كيف نغرس العقيدة الصحيحة في نفوس الأطفال)
    4) خولة درويش في مقال نشر في مجلة البيان ـ العدد 31 ص 86 محرم 1411هـ تحت عنوان(تمثل العقائد في الطفولة)
    (7) التربية عبرا لتاريخ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 6:52 am

    2-لكـنَّ الله يَـرانـي

    قبلَ سنة كان ابني الصَّغيرُ في الخامسة من العُمر، وكنا حديثي عهد بجيران في بنائنا، وكان لهم طفلٌ في نحو سنِّ ولدي، فطلبوا منه الدخولَ عندهم ليلعبَ مع ابنهم، استجبتُ لطلبهم، وسمحتُ لأحمدَ باللعب عندهم، وأوصيتُه ببعض الأمور؛ خشيةَ أن يسبِّبَ لهم إزعاجًا ما، وكان مما أوصيتُه به: أن يلعبَ بهدوء بلا ضَجيج، وألاَّ يطلبَ منهم شيئًا، ولا يأكلَ عندهم طعامًا.

    وفي أحد الأيام كان أحمدُ يلعب في دارهم، وحانَ وقت الغداء، ووُضعت المائدة، ودُعي ليُشاركَهُم الطعام ، فاعتذرَ منهم بأدب، وحينما ألحُّوا عليه وأكثَروا، صارحَهُم بالأمر قائلاً: أمي لا تسمَحُ لي، فقال له جارُنا مازحًا: إن أمَّكَ لا تراك الآنَ ؟
    فأجابه أحمـدُ بثقة ويقين: لكنَّ الله يَراني .

    في صباح اليوم التالي قصَّت عليَّ جارتي الخبر، تملؤها السعادةُ والدهشةُ معًا من موقف رفيق طفلها الجديد!

    أجل، إن الأطفالَ كالأرض الخِصْبَة، إذا أُلقيَت فيها البذورُ الصالحة أنبتت نباتًا حَسَنًا، وأخرجَت ثمرًا يانعًا، وإذا تُركَت وأُهملَت نبتت فيها الأشواكُ القبيحة المؤذية.

    والتربيةُ السليمةُ تبدأ من لحظة قُدوم الطفل إلى الدنيا؛ فهو كالإسفَنجَة، يمتصُّ كل ما يمرُّ به، بلا تمييز بين غثٍّ وسَمين، ونافع وضار، وهو يتلقَّى ما يدورُ حوله، ولو كان في ظاهره مشغولاً بألعابه وعالمه الخاصِّ؛ لذلك كان أهمَّ وأَولى ما يجبُ أن يُزرعَ في نفس الطفل: محبةُ الله، ومراقبتُه في السرِّ والعَلَن.

    ومن المواقف الطَّريفة التي تدلُّ على ذلك، أنني في بعض الأحيان كنت أتجاذبُ مع زوجي الحديثَ عن إخواننا المسلمينَ في فلسطين، وما يتعرَّضون له من إيذاء وظلم من اليهود أعداء الحقِّ والخير لعنَهُم الله، وبدعم من أعوانهم النصارى أخزاهُم الله، وفي أثناء هذه الأحاديث لم نكن نُعير انتباهَنا لغلامنا الصغير، نظنُّه مشغولاً عنا بألعابه وأشيائه.

    وذاتَ يوم كنتُ أُصغي إلى تلاوة للقرآن الكريم من المذياع، وفرخي الصغيرُ يلعب بعيدًا عني، في أحد أركان الغُرفة، كان مُنهَمكًا بصُنع بيت من المكعَّبات، وكان حينها ابنَ ثلاث سنينَ ونصف ، وتلا القارئُ فيما تلا قولَه تعالى: { وقالت اليهودُ والنصارى نحنُ أبناءُ الله وأحبَّاؤُه } ،
    فإذا بأحمدَ ينتفضُ ويصرخ بغضَب: كذبوا كذبوا !!
    ثم التفتَ إليَّ وقال مُستنكرًا: سمعتِ يا أمي ؟! اليهودُ والنصارى يقولون: إنهم أبناءُ الله وأحبَّاؤُه، كذبوا، هم أعداءُ الله، أليس كذلك ؟!

    لم أُجبه، فقد عقَدَت الدهشةُ لساني،
    وأدرَكتُ أن أطفالنا يملكونَ من القُدُرات ويَعقلونَ من المعاني ما لا نتصوَّرُه،
    وما علينا إلاَّ أن نقدِّرَ ذلك حقَّ التقدير، ونوليَه العنايةَ اللازمة،
    وأن نكونَ حذرين في تربيتنا لهم، وسلوكنا معهم، فلا يسمعونَ منا ولا يرَونَ إلا ما يُرضي الله سبحانه.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 6:55 am

    تمرُّ بنا في حياتِنا اليوميَّة والعامَّة أمورٌ عدَّة، منها ما نصرِفُ النَّظر عنْها؛ لأنَّها لا تستحقُّ، وأخرى نلتفِتُ لَها؛ لِما تَحمِل من مهمَّات قد حوتْها.

    وهذه حالة عاديَّةٌ وطبعية، يَمرُّ بِها أيٌّ منَّا ولا يكاد يخلو، بيْدَ أنَّ الذي لا يُسْكَت عنْه، ويُسْتَقبح مَرْآه: أن تَجد أناسًا مِمَّن يعوَّل عليْهِم وتترقَّبهم الآمالُ مشتغلين بالتَّوافِه، مُستأْنِسينَ لها وبها، مهتمِّين لتواجُدِها، داعين لفَرْضِها وعرْضِها.

    وكلُّ ما أبعد عن همٍّ، أو أَلْهى عن جِدٍّ، أو اقترن بإثم، أو جاوزَ سدادًا، ولازم إسفافًا، أو التصق بذُلٍّ، فهو جدير أن لا يُوضَع عنده رحلٌ، أو يُبتاع منه متاع، فليس لظامئٍ من سرابٍ إلاَّ التَّزويق والخداع.

    إنَّها الرزية أن يُبتلى أحدُنا بالتَّوافه، فينشغل بها لتُلْهِيه عن عمله الأعظم، أو فكره الأفضل أو إصلاحه الأكْبر، فلا يكاد يُقَدِّر للأمور قدْرَها، أو يعرف للمصائب خطَرَها، فليس له ثَمَّة اهتمام، وقد يُشغل أحدُنا بالتَّوافه بِحُجَّة أنَّها من الضروريات أو من الأمور الواجبِ تدارُكها وتعلُّمها، ولو أنَّنا وضعناها في المقياس السَّليم لاتَّضحت التَّوافه من غيْرِها، ولعَلِمْنا ما الجِدّ من الهزْل، وما الصَّحيح من السقيم؟

    ولو نظرتَ إلى حال ذلك المستغرق بالتَّوافه، لوجدتَه مُعْرِضًا عن الأمور العظيمة والقضايا الهامَّة؛ بِحُجَّة أنَّ تلك من المستحيلات، أو من الأمور الَّتي لا يُسْتطاع نوالُها، أو من الكماليَّات التي لا حاجةَ لها، أو من ضُروب الخيال التي لا تَكادُ تُوجد إلا في عصورٍ مَضَتْ، وتلك صورةٌ زيَّنها له شيطانُه وأمْلَتْ عليْهِ بِها همَّتُه القاصرة، فأضحى ذليلاً للتَّوافه.

    وإنَّك لتعجب، بل تحزن وتُساء، حين ترى جمعًا من النَّاس مِمَّن هم حولَك أو تسمع بهم أو ربَّما تُشاهدهم - مِمَّن يُرجى نوالُ عقْلِه أو استِدْرار فِكْره - قد غلبتْ عليْهِم تلك البليَّة، فتجِدُهم لاهثين خَلْفَ سخافاتٍ كانت الدُّنيا خيْرَ عارضٍ لها، وكانت فضائيَّات الفساد خيرَ مُلقية لهم، فاستبلدوا واستبلدوا وكان همّ أحدِهم لا يكاد يتجاوزُ شركَ نعلَيْه، من قِصَرِه وضعْفِه وهوانه، فيسرع ليلتقطَ فُتاتَ ما يَجده من توافِهَ؛ ليلقِيَ به على مَن حوله ليحدِّثَهم به، وكأنَّه شأنٌ عظيم قد عَرَض له، وأراد للنَّاس أن يُدْرِكوا حجْمَ ذلك وأن يُشاركوه.

    إنَّ الاشتِغال بالتَّوافه يُورثُ صَغار العقْل، وبلادةَ الفهْم، وسطحيَّة التَّفكير، وسذاجة الطَّرح؛ فلا مقياس لديْه كبير، ولا شأن لديْه عظيم، ولا همَّ وهمَّة تدفع طُموحًا، فيصغُر بصِغَر همِّه وعقله، وإقبالِه وشراهتِه على توافهه، فانعدم تَمييزُه، وانعدمت رؤيتُه، وقلَّت بركتُه.

    ولعلَّ ظاهرةَ الاشتِغال بالتَّوافه هي أبرزُ سِمةٍ غلبتْ على المجتمع، فأضعفت أصالتَه وأبردَتْ حميَّته، فكان كحملٍ وديعٍ لا يقوى من أَمْره على شيء، أمَّة تأنس ذِئْبَها وتأْمن عدوَّها؛ لتُصْبِح خاويةً خاملةً مخدَّرةً، لا تقدر على أن تَرُدَّ شرًّا أو تَجلب خيرًا، إلا ما شاء الله.

    إنَّ التَّاريخ يخبرنا عن رجالٍ مضَوْا، وأناسٍ رحلوا، كيف أنَّ أفعالهم كانت بعيدةً عن التَّوافه، فضلاً عن الاشتغال بها، فكانتْ حياتُهم جدًّا في جِدٍّ، وهمُّهم علوًّا في علو، فكانوا بحق من العُظماء ومن الذين يخلِّد التَّاريخ ذِكْرَهم، وتُمَجِّدُ الأُمَّة أفعالَهم، وشتَّان بينهم وبين مَنْ هُم في ضِدِّهم، وعلى قدْر أهل العزم تأتي العزائمُ.

    كم من مفرِّطٍ في أمر، ومتساهلٍ في قضيَّة، ومشتغلٍ بسخافةٍ، لم يشعر بمغبَّة عمله ذلك إلا حينما سبقه الجادُّون في جِدِّهم، وابتعد عنه الناجحون برُقِيِّهم، وارتفع الظَّاهرون بعِلْمهم وعقْلِهم، فكان ضحيَّة فِعْله، نزيلَ جهله، سقيطَ أمره.

    وما أصدقَ ما قاله الشَّاعر، حين نبَّه إلى وجوب التنبُّه إلى الأمور العظام، وترك ما دونَها؛ حيث يقول:

    إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ فَلا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ
    وآخر على طريقِه يسلُك طريقَ التَّنبيه فيقول:

    قَدْ رَشَّحُوكَ لأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الهَمَلِ

    فهل وعَى مَن وعى: أنَّ الاشتغال بالتَّوافه موتٌ للقلب، موتٌ للضَّمير، موت للأمَّة؟

    وإنَّنا في زمن لا يسمح أن نشتغِل فيه بغير ما يَزيدنا قوَّة ورِفْعة ومنعةً وتقدُّمًا، ولو حاول الأعداءُ استِخْدام وسائِلهم في إيقاف ذلك المدِّ، ولو على حساب راحتِنا؛ لأجل أن نبلغ غايتَنا وما نصبو إليه، مطمئنِّين واثقين، ولن نبلُغَه إلا بالعمل الجادِّ، والتفكير السليم، والإيمان القوي
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 6:57 am

    ما الخوف؟
    بدايَةً، لا بدَّ أن نعتَرف جميعًا أن الخوف شعورٌ طبيعي، خلقَه الله تعالى في الإنسان، له وظيفتُه وأهميَّته، ولما كان الخوف كذلك، فمِن المؤكَّد أنَّ الله خلَق لِهذا الخوف قانونًا، كلَّما وافقه الإنسان، كانَت له السَّعادَة، فإن رفضه أجبَرَه هذا القانونُ على السَّيْر فيه، وحالتَئِذٍ يَفقِد الإنسانُ سَعادتَه الَّتي يَسعَى إليها، والَّتي يعتبرها هدفَه الأسْمَى.

    أمَّا كونُ البعضِ يَرَى في الخوف شعورًا سلبيًّا فهذا مما يتسق مع الإيمان الكامل بحكمة الله في خلقه، ولا يقلِّل من قيمتِه لأشياء؛ أولها: أن هذا الخوفَ - كما قلنا - من خلق الله، وكلنا يعلم أن الله لا يخلق شيئًا عَبَثًا؛ إنما لغايةٍ وحِكمةٍ حسَنةٍ في ذاتها، لكنها قد تغيب عن الإنسان أحيانًا، وثانيها: أن هذا الخوفَ يحدث نوعًا من التوازن بين المشاعر داخل الإنسان، كما أنه ثالثًا: يحفظ بقاء الإنسان أحيانًا؛ فالطفل حينما يولد، تراه يخاف تلقائيًّا الصَّوتَ العاليَ، كما يخاف السُّقوطَ على الأرضِ.

    إن الخوف يرد في اللغة بعدَّة معانٍ:
    أولها: الفَزَع والتوقُّع.

    وثانيها: القِتَال، يقول تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بشيءٍ من الخَوْفِ} [البقرة: 155]، وقال: {فإذا جاءَ الخَوْفُ} [الأحزاب 19]،

    وثالثُها: العِلْم، ومن هذا المعنى قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [النساء: 128]، كما قال تعالى: {فَمَن خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً} [البقرة: 182].

    ويأتي رأيُ "المعجم الوسيط" في معنى الخوف قائلاً:
    "الخوفُ: انفعال في النَّفْس يَحدُث لتوقُّعٍ ما يَرِد من المكروه أو يفوت من المحبوب"؛ فالخوف إذًا نذير داخلي بالاستعداد لشيءٍ ما يتوقَّعه الإنسان.

    "أخاف من الأيام الآتية".
    عبارةٌ يقولها بعض الناس، وليس لها معنى أو لِنَقُلْ: ليس لها وجود، بل نترقى في التعبير لكي نقول: إنه لا يجوز أن يكون هناك خوفٌ من الغد؛ إنما الخوف الحقيقي يكون من الله؛ فقد قال: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، ولكنَّ المصطلح الصحيح الذي يمكننا أن نستخدمه في هذه الحالة هو: "الخوف للغد"، بمعنى أن هناك شعورًا داخليًّا يقول لي مثلاً: استعدَّ للغد استعدادًا يُصَدِّق قول عمرو بن العاص: "احرِز لدُنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"، فلو أن الإنسان أخذ بهذا الكلام فعلاً في حياته، فلن يجد الخوف إلا من الله تعالى، ويجد نفسه خائفًا (أي: مستعدًا) دائمًا لما يتوقعه من الأحداث في حياته فقط.

    لو أن الإنسان فعل لآخرته كأنه يموت غدًا فسيجد نفسه يستعد بالعبادة، يتقرب بها إلى الله؛ فيكون الله هدَفَه في هذا، خوفُه خالصٌ لله ومِن الله، إنه سوف يستِعد بالعلم الذي يقربه من الله أكثر وأكثر، بحيث يحاول جاهدًا أن يصل إلى أقصى درجات القرب منه سبحانه، ويحاول حينئذ نشر روح الفلاح الَّتي تؤكد أن ((الدين النَّصيحة)) فعلاً، وذلك عن طريق تعليم العلم الذي تعلَّمه، كما يحاول جاهدًا أن ينشر روح التسامح بالفَهم والقبول والصفح، وعماده في نَشْر هذه الروح هو الحب والإخاء والتَّماسك بين أفراد أسرته ومجتمعه كله، وقبل كل هذا نشرُ هذه الروح في أعماق نفسه، مصدقًا في كل تلك الأفعال قولتَه قبل نومه: ((اللَّهمَّ، إنْ أخَذْتَ رُوحِي فارحَمْها)).

    كما أنَّ الإنسان لو علم أنه سيعيش أبدًا، فسيستعد أيضًا بالعبادة لله؛ ليكون عونه وسنده في التأقلُم مع الأيام والأحداث الَّتي قدرها له؛ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186]، كما سوف يستعد بالعلم الذي يجعله على إيمانٍ كاملٍ بأن: ((مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))، ولهذا يطمئن قلبه بالرِّضا، ويتغلب بقوة الإيمان والاعتقاد الراسخ على الشُّعور بالخوف من الآتي الذي لا يَعرِف عنه شيئًا.

    إن المؤمِن بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] - يؤمِن أيضًا بأن العلم من صفاتِ القوي؛ فيتسلح بالعلم الذي هو سبيل القوَّة.

    واستشارة أهل الذكر مسلكٌ من مسالك تحصيل العلم؛ يقول تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، كما أن استعارة الخبرات من ذوي الخبرات شيءٌ مهم جدًّا؛ فمِن المؤكد أن أي إنسانٍ يعلم أن موقفَه هذا - أو شعورَه هذا - قد مرَّ به ناس من قبله، فليرجع إليهم إن كانوا أحياء، أو إلى آثارهم إن كانوا قد ماتوا.

    كما أن من طرق تحصيل العلم أيضًا: التجاربَ العملية الَّتي اشتراها الإنسان من أيَّامه الَّتي عاشها قبل هذا الموقف أو الشعور.

    القارئ الكريم:
    الخوفُ: شعورٌ طبيعي خلقه الله؛ فهو موجود شئنا أم أبَيْنا.

    الخوفُ: نذيرٌ بالاستعداد، والاستعداد لا يكون إلا بقوةٍ، العلمُ عِمادُها والأساسُ، والعبادَة علامة ذلك.

    الخوفُ: يمرُّ على الإنسان في لحظات من فقدان القوَّة، تتفاوت مدَّة هذه اللحظات من إنسانٍ إلى آخر؛ فالذي يستعد كثيرًا للآتي لا يفزَع كثيرًا؛ لأنه وبكل بساطة لا يتوقع إلا كلَّ خير، كما أنه يعلم أن ثمراتِ يومه من غرس أمسه.

    وأخيرًا: أنت إنسان، والإنسان من خلق الله، وهو خالق المعجزات.

    فإلى أمانِ اللهِ.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 6:58 am

    إكبار المربين الكبار عقول الأطفال الصغار
    استيقظتِ البنت ذات السَّنوات الثلاث من نومها في وقت مزعج... طرقتِ الباب ثمَّ دفعته، ومن حُسْن الحظ وجدت أمها مستيقظة.. بادرت قبل السَّلام بالسُّؤال:
    - ماما هل تحبِّينَ الذُّبابة؟
    استغربتِ الأم! وطفِقت تتأمَّل مُحيَّا بنيتها الصَّغير الذي لا تزال آثار النَّوم عليه بادية!

    لم تدعِ البِنتُ لها كبير مَجال للتَّفكير إذ أردفتْ قائلة:
    - أنا أحبها لأنَّها تدغدغني عندما تحط عليَّ!

    حاولت أمُّها كتم ضحِكتها والتَّصرُّف معَ البنت بحكمة فقالت:
    - لكن.. الذباب يذهب إلى أماكن الأوساخ والقاذورات...

    قالت البنتُ مبادرةً:
    - تذهب إليها لتنظِّفها؟
    لم تتمالكِ الأم نفسها منَ الضَّحك هذه المَرَّة! لكنَّها أخبرتها بهدوء بالحقيقة الغائبة.
    وعت البنت الفائدة، غير أنَّها عقدت حاجبيها مندهشةً لا تدري ما موجب تلك الضَّحكات.. إلاّ أنَّ النعاس قد غلبها فرجعت أدراجها لتكمل نومها!
    أخبرتني أمها بالقِصَّة.. فقلتُ بعد لبنيتي: هل تحبين الذُّبابة؟
    فقالتْ للتَّو: لا!
    قلت: ولِمَ؟
    قالت: لأنَّها تدغدغني!!
    وهكذا الأطفال..

    يشغلهم أدنى خاطر ولا يبالون في سبيل الإلمام به بما بذلوه من جهد أو تركوه من لذيذ منام!

    وخاصية أخرى وهي تفسيرهم الأمور تفسيرًا بريئًا نظرًا لسلامة فطرهم وصفاء نفوسهم، وذلك ما لم تتلوث بالأجواء مِن حولهم.

    والمُرَبِّي الفَطِن اللَّبيب هو الذي يستثمر تلك الخاصيتين لأجل غَرس الأفكار النَّبيلة والمعاني الطَّيبة في نفوس النَّاشئة، وسوف يبقى بإذن الله أثرها، وتظهر ثمرتها، وهذا ما نلحظه في سلوك بعض الأطفال عند العناية بهم وإرشادهم.

    قد لا يضبط الطَّفل من فوره التَّعليل - وقد يضبطه - لكن النَّتيجة تبقى منطبعة في ذهنه، فهو كأي صاحب همٍّ، إذا وجد من يفيده في موضوعه الذي أهمه انطبعتْ إفادته في ذهنه.

    ومنَ الغلط أن نأخذَ همَّ الصَّغير فنقارنه بأحوالنا وعقولنا، ومِن ثَمَّ نسفهه أو لا نكترث له، بل قِس الهم الصَّغير بمقياس لا تتعدَّى درجاتُه سني عمر الطفل صاحبه، فإذا وجدته بالنسبة لهذا المقياس كبيرًا فإيَّاك أن تغفلَ أثره عليه، واحْرِصْ على أن تستثمرَه ليثمرَ خيرًا.

    وتأمَّل كيف عُني نبي الله يعقوب برؤيا يوسف - عليه السلام - يوم أن كان غلامًا حَدَثًا، وكيفَ استثمرَ الرؤيا في غَرس المعاني المفيدة الجليلة، فقالَ بعدَ أن نَهاه عن قَصِّ الرُّؤيا على إخوته:
    {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 5 - 6]، فبيَّن له عداوة الشَّيطان، ونزغه بين الإخوان، وبشَّرَه بمستقبل واعد، وقرَّرَ له في أثناء ذلك أن أتَمَّ النعَم هي نعمة الهداية للدين القويم.

    وقد ظلَّ هذا الحديث عالقًا في ذهن ذلك الطِّفل الصَّغير إلى أنْ صارَ نبيًّا كريمًا عزيزًا، فقالَ لمَّا استتمَّ له الملك، ورَفَعَ أبوَيه على العَرش، وخرُّوا له سُجَّدًا: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 100، 101] فعَلَّق النَّزغ بالعدوّ المبين الذي سمَّاه أبوه، ولما رَأَى تمام النِّعمة سأل ربَّه الثَّباتَ عليها إلى حين الوفاة واللحاق بعدها بأولئك الذين أتمَّ عليهم النِّعمة منَ الصَّالحين وأقربهم إليه يعقوب وإسحاق وإبراهيم - عليهم السلام.

    ولو قدر أن يكونَ أبو يوسف غيرَ نبيّ الله يعقوب فرُبَّما قال للصَّغير: وكيف تسجد الكواكب والنُّجوم! دع عنكَ الخُزَعبلات والأوهام.. وارْجِع فنَم! وكم يقولُها اليوم - بصورة أو بأخرى - من إنسان؟ فلا عَجَبَ أن تَنشأَ كثيرٌ منَ الأجيال وفي جعبتها خزعبلات وأوهام، وعُقَدٌ ما عرفوا لها حلاًّ.

    أمَّا المربّي صاحب النَّظر العميق والرَّأي والتَّحقيق فلا يغفل تلك الواردات، ويعلم عظم أثرها على الغلام فيحسن استثمارها، ولا يضيع فرصة قد تهيأ فيها ذلك الصَّغير لتلقِّي التَّوجيه، وانجذب فكره نحو التَّوجيه بسبب ما ألمَّ به، وعندها قد يُثْمِر التَّوجيه السَّديد خيرًا عظيمًا.

    وتأمَّلْ أثر توجيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر - رضي الله عنهما - وقد رَأَى - وهو غلام - رؤيا فأثْمَرَتْ عناية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِها قيامَه الليل إلى أن قُبِضَ.

    قال: كان الرَّجل في حياة النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصَّها على النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - فتمنَّيْتُ أن أرى رؤيا فأقصّها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت غلامًا شابًّا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت في النَّوم: كأنَّ ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النَّار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلَقِيَنَا ملكٌ آخر فقال لي: لم تُرَع، فقصصتها على حفصة فَقَصَّتها حفصة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((نعم الرَّجل عبدالله لو كان يصلي منَ اللَّيل))، فكان بعدُ لا ينام منَ الليل إلاَّ قليلاً[1].

    إنَّ أولئك الذين يسفّهون رُؤَى الصِّغار، ولا يعبؤون بما يدور في دواخلهم منَ المخيلات والأفكار، يقعون في خطأين كبيرين؛ أمَّا أحدهما: فإهدار فرصة للتَّوجيه وسانحة لغرس المعاني حسنة، والحق الجميل، ربَّما استغلَّها غيرهم في خلاف ذلك، والنَّفسيَّة اللدنة للطفل قابلة للتَّشَكُّل، فإن شكّلت تشكيلاً بشعًا ونشأت على ذلك قَسَتْ مع مُرور الأعوام وعسرَ بعد ذلك تغييرها.

    وأمَّا الخَطَأُ الآخَر: فإحداث هُوَّة بين الصَّغير ومن يُحِبّ، فإذا كان الصَّغير كلَّما أهمه أمر، وأشغلته قضيَّة جُوبِه بالكَبْت والتَّسفيه والتَّقريع، فتوشك أن تهتزَّ نفسه، بعد أن يُحْجِم عن بثّ شُجونه وهُمومه إلى مَن يُحب، ورُبَّما بثَّها لآخر مغرض قد يحسن تلويث الطفل بها، أو على الأقل قد يزرع في داخلته فكرًا منحرفًا بسوء قصد أو لمحض جَهل.

    وإذا علمت ذلك أخي الكريم علمتَ أنَّ مجرَّدَ التَّفاعل مع الطِّفل في قضيَّته لها أثر عظيم على الصَّلة بين الطَّفل ومن يبدي له مُشاركته لهم، وعلمت بالتَّبع بعض حكمته - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الذي رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: إن كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقولَ لأخ لي صغيرٍ: ((يا أبا عُمَير مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟))[2].

    ولكَ أن تقدرَ حماس ذلك الصَّغير الذي مات نغيره (طائر كان له)، وتفاعله مع ذلك السَّائل، ثم الصلة الحميمة التي تنشأ بينه وبين ذلك الشَّخص العظيم الذي يعتني بشؤونه.

    فانظر أخي في هموم صغاركَ، وشاركهم حملها، ووجِّههم بلطف إلى ما ينبغي أن يفعلوا حيالها، واعْلَمْ أنَّ عرض ذلك الهَمِّ الصغير الذي لا يعبأ كثيرون به فرصة كبيرة للتَّربية والتَّعليم، وحَرِيٌّ بكَ أن تغتنمَهَا.
    ـــــــــــــــــــــــــــ
    [1] رواه البخاري (1070)، ومسلم (2479).
    [2] رواه البخاري (5778)، ومسلم (2150).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 7:00 am

    أشياء غيري تجذبني
    بدأ العامُ الدِّراسيُّ الجديد وسط تساؤلاتِ الصِّبيَة الحائرة وإشارات الاستفهام المُقلِقة، وابتساماتهم التي تُخفي وراءَها بعضَ التوجُّس؛ تُرى: كيفَ سيكونُ معلِّمُنا؟! أهو شديدٌ أم متسامح؟! أيَضربُ بالعصا أم يكتفي بالتنبيه والتوجيه؟! ليتَه يكون متسامِحًا يُعطي المقصِّر فرصةً ثانيةً أو ثالثةً!!

    ما المشكلةُ في أن يملكَ المعلمُ حنان الأم، ودفءَ الأب، ورحمة الجدِّ، ويروي حكايات الجدَّة؟!

    مَرَّ الأسبوع الأول بسلام وتَنَفَّسَ الحَذِرون الصُّعداء، وراحوا يُطلقون أرجلَهم للريح في رَدَهات المدرسة وفضاءاتها، مع بداية الأسبوع الثاني كان كلُّ واحدٍ منهم قد كَوَّن صورةً معينةً عن زملائه، فَبَدرٌ هو الأمهرُ في كرة القدم، وسعيدٌ هو الأذكى في الرياضيات، وعمر هو الأفصحُ في القراءة، وحامدٌ هو الأفضل في الرسم، ولكنه يُحبُّ أشياءَ زملائه كثيرًا، ويَطلبُ منهم أن يعطوه من فَطورهم وعصائرهم، وربما وصل الأمر إلى ما هو أبعدُ من ذلك..!

    مرَّ الشَّهر الأولُ، وتبعهُ الثَّاني، والشكاوى تتزايدُ على حامدٍ مع تقادم الأيام، هذا يقول: يا أستاذ، أخذَ عصيري، والآخر يقول: أخذَ منِّي ريالاً، وكنت قلقًا مِن تحوُّلِ كلمة (أخذَ) إلى (سَرَق)، وفي كل مرَّة أقول لهم: إنكم أسرةٌ واحدة، وفي الأسرة قد يأخذُ الطفلُ من أشياء أخيه، وقد يعطي الأخُ الأكبرُ قطعةَ الحلوى لأخيهِ الأصغر، لكنَّ الأمرَ تعاظَمَ ولم تعُد حُلولي مجديةً فَبتُّ أُحضِرُ حامدًا وأنصَحه وأنبِّهه فيقول: "آخِر مَرَّةٍ، واللهِ لن أعيدها"، فقلتُ له مرَّةً: هل ترضى لأحدٍ أن يأخذَ من أشيائك شيئًا؟! قال: لا.. إذًا، كيف تَسمحُ لنفسكَ أن تستحِلَّ أشياءَ الآخرين؟! قال: "أشتهي الأشياء التي مع زملائي"، فقلتُ له: إذا اشتهَيْت شيئًا ما تعالَ إليَّ، وأَخبِرني، وسوفَ أعطيك إيَّاه؛ حسنًا؟! قال: نعم..

    لمْ تُجدِ مُحاولاتي، بالتعاون مع معلِّمه، نفعًا، كما أنَّ أساليبَ العقاب كان مفعولها سرعان ما يتلاشى أمامَ مشهَدِ لُعبةٍ جميلةٍ في إحدى حقائب الزُّملاء أو تفَّاحة حَمراء شهيَّة بيَدِ آخر، فَكَّرتُ في إخبار والدِه - والجدير بالذكر أنَّ الطالب من أسرةٍ غنيَّة - ولدَى حديثي الطويل مع والده أدرَكتُ إلى حدٍّ ما جذورَ المشكلة، وهي أنَّ حامدًا يُعطَى كلَّ ما يُريد وكل ما يشير إليه بَنانُه، ورحم الله البوصيري الذي قال:

    وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى حُبِّ الرَّضَاعِ وَإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
    تَعاونَ كِلا والدَيه معي، وطلبتُ منهما أن يرسلا بعض الألعاب وأسلِّمَه إيَّاها بشكل هدية من المدرسة أو جائزة من المعلّم، وارتأيتُ أن أنقله من الفصل الذي فيه لأغيِّرَ له البيئة التي قد لا تساعده على تغييرِ ما لَحِقَ به من جرَّاء ما اقترَفتْهُ يداه، بَدأ حامدٌ بدايةً طيبةً في الشُّعبة الثالثة واستقامَ أمرُه والجميع يتعهَّده بالهدايا والحَلوَيَات وغيرها، فأحسَستُ بالاطمئنان على وضعه.

    وفي يومٍ كان قد أحضرَ لعبةً جَميلة، وهي سيارةٌ تمشي بجهازِ التحكُّم، احتَشدَ جُموع الطلاب حولَه يغبطونَهُ، وهم مُستمْتِعُون بسيَّارة العصر الخارقة، الذي كان أكثر سعادةً هو حامد؛ حيث كانتْ دقَّاتُ قلبِه تفوقُ سرعةَ السيَّارة التي تكادُ أن تطير، انتهت الفسحةُ الأولى وجمهور الرَّالي وَدُّوا أن تَطولَ بهم الفسحةُ، وإنْ بضعَ دقائق.

    بدأتِ الحِصَّةُ وخرجَ طلابُ الصف الثاني الابتدائي إلى الملعب مع معلِّم الرياضة، فذهبت إلى فصل حامد، وفتحتُ حقيبَتَه، وأخذتُ اللعبة بنفس الطريقة التي كان يستخدمُها حامدٌ عند استباحةِ أشياء الآخرين، انتهت حصةُ الرياضة، وبدأت الحصةُ التي تسبقُ الفسحةَ وبدأ يتحسَّسُ لعبتَه في الحقيبة استِعدادًا للشوط الثاني من مشهد الرالي في الساحة، ولكنَّه لم يجد شيئًا، فَتحَ الحقيبة ومدَّ يدَه ثانيةً، ولكن دون فائدة، رفعَ الحقيبةَ ونثرَ أشياءَها على الأرض، فأنْذرَهُ المعلمُ بالتِزام الهدوء، وساءلهُ عن سبب ذلك فقال: يا أستاذ، لم أجد لُعبَتي وفاضَت الدُّموعُ مِن عَينَيه!! فقال له المعلم: هدِّئْ من غضَبك، سنجدها، إن شاء الله، أيُّ هدوءٍ وأيَّةُ رَويَّة، وقد ضاعت لُعبةُ العمر؛ لأنَّها في تلك اللحظة تَفوقُ أثمنَ الجواهر في نظر حامدٍ؟!!

    حانَ موعدُ الفسحةِ وخرجَ الجميعُ إلى الساحة يبحثُون عن حامد، ولكنَّ حامدًا جاءَ إليَّ بِلهفةٍ وحُرقةٍ منتفخَ الأوداجِ، فاغرَ الفمِ، ودموعُه بَلَّلَت وجنتَيه؛ فقلتُ ما بك، يا حامد؟! قال: لم أجِد لُعبَتي في الحقيبة، يا أستاذ، لعبتي.. لعبتي.. فقلتُ: لا عليك، سنجدُها، إن شاء الله، ربما أعجَبَت أحدَ زملائك وأراد أن يلعبَ بها لبعضِ الوقت ثم يعيدُها لك؟ فقال: لا يجوز، حرام؛ كيف يأخذها من حقيبتي، وأنا لا أعلم؟! قلتُ: اذهب غَسِّل وجهَك وعُد إليَّ ثانية، وعندما عادَ وجلسَ، قلتُ له: ما رأيُك فيمن يسرِق أشياءَ زملائه؟ قال: لصٌّ.. مُجرِمٌ، قلتُ: يا حامد، لعبتُك عندي، فقال: صحيح، يا أستاذ؟! قلت: نَعَم، فالأطفال – يا بُنيَّ – لا يسرقون، ولا يأخُذون أشياء ليست لهم، هذه لعبتك، ولكنني أرَدْت أن أريكَ مشاعرَ زملائِك وأَلَمَهُم عندما كنتَ تأخذ أشياءَهم؛ فقال: أنا تُبتُ، ومنذُ شهرٍ لم آخُذْ من أحدٍ شيئًا، قلتُ: باركَ اللهُ فيك، يا بنيَّ؛ فأنت طالبٌ ممتازٌ ومُهذَّب، خُذ اللُّعبةَ وحافظ عليها!!

    خَرج حامدٌ من المكتبِ، وبحمد الله وتوفيقهِ أقلعَ عن العادة الذَّميمة التي كان يمارسُها، وها قد مَضَت سِنُونَ ثلاثٌ على هذه الحادثة دُونَ أن يأخُذَ حامدٌ من أحدٍ شيئًا، وانجابَت تلك الغَمامةُ عن نافذة نفسِه الشَّفافة، وأصبَحَت من عالم الماضي الذي لن يعودَ بإذن الله، ودخلت الشمسُ بنورها السَّاطع تداعبُ أزْرار الزَّهر، وتوقظُ البلبل الصغير في خميلة حامدٍ الجميلة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 7:01 am

    الخطوات العملية لإجازة صيفية نافعة وممتعة
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ"، رواه البخاري.

    ما أجمل أن نخطط لكل شيء في حياتنا ونستعين بالله في عمله حتى يوفقنا ربنا.

    إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
    وهذه بعض الخطوات العملية لإجازة صيفية نافعة في الدنيا والآخرة وممتعة في نفس الوقت، فخذ منها ما يوافقك ويتناسب مع ظروفك وعمرك، وما لا يُدرك كله لا يترك جُله، وبعض الخير خير من العدم، وأحب الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قل، واحرص على الاستمرار فيما وجدته مناسباً لك فشر لا يدوم خيرٌ من خيرٍ لا يدوم، فالشر الذي لا يدوم تفرح بتركه، والخير الذي لا يدوم تتحسر عليه، وهاكم تلك الخطوات العملية:

    1- إن مما يناسب من يعيشون في دول الخليج الذهاب إلى مكة لأداء العمرة وإلى المدينة لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فالأمر في تلك البلاد ميسر لهذه الطاعة المباركة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) رواه البخاري ومسلم، وحبذا أن تكون مثل هذه الرحلة مع الأهل، فهذا بلا شك يقوي الروابط خاصة إذا راعينا الآداب التي ينبغي التمسك بها في مثل هذه الرحلات، ومن ذلك عدم ترك الأبناء وغيرهم وحدهم، بلا متابعة فقد لاحظنا أن بعض الصالحين يذهب إلى المسجد الحرام أو المسجد النبوي لأداء الصلاة ثم يترك أولاده في الأسواق يؤذون الناس ويُحمّلون أنفسهم ذنوباً، ولا شك أن مثل هذه الرحلات بديل عظيم لما يقوم به بعض المسلمين من السفر إلى بلاد لا تُراعى فيها الآداب الإسلامية مثل الحجاب وعدم الاختلاط مما ينتج عنه شر كبير في الدنيا والآخرة، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: "أطلقت بصري فيما لا يحل لي، فابتليت بسفر لا نية لي فيه، فلقيت المشاق"، فهذا العالم الصادق يحكي تجربة له حتى يحذرنا من عمل مثلها، وهو أنه نظر ذات مرة نظرة لا تحل له، فعاقبه الله بسفر طويل كأنه كان بلا هدف في هذا السفر فتعب فيه كثيراً ولم يجن منه فائدة، فما بالكم بما يحدث الآن من النظر إلى الكاسيات العاريات في تلك البلاد، وفي وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وإنترنت وجوال، فهل ننجي أنفسنا وأهلينا من نار وقودها الناس والحجارة؟! أما إذا كان السفر للخارج من أجل الدعوة إلى الله فما أجملَه! خاصة إذا كان مع الداعية زوجته التي تكون له حصناً في مثل تلك الأجواء.

    ومن لم يستطع أن يسافر للدعوة فما أعظم أن يساعد الدعاة هناك من خلال البذل للجمعيات التي تقوم بذلك كجمعية العون المباشر التي تهتم بالدعوة والإغاثة في إفريقيا. إنَّ من أروع ما يستطيع أن يستفيد به زائر مكة والمدينة حضورَ مجالس العلم هناك وحلقات التحفيظ، ومن لم يتمكن من هذا فلعل ارتباطه بمسجد بلده وعلماء حيّه يكفيه ويكفي أولاده وزوجه التي يمكن أن ترتبط أيضاً بدُور التحفيظ النسائية، وما أجملَ تذكيرَ أولادنا بأذكار الصباح والمساء وحثهم على تلاوة جزء من القرآن يومياً.

    2- من الطرق العملية أيضاً الاستفادة من الفضائيات الإسلامية والمشاركة فيها من خلال المداخلات، وكذلك الكتابة إلى مواقع الإنترنت الإسلامية، فهذا جهاد العصر كما يسميه بعض العلماء؛ فإنك يمكنك وأنت في بيتك أن تحدث الناس في القارات الست عن الإسلام، فما أجملَ تفعيلَ تلك الوسيلة! قال صلى الله عليه وسلم: "وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة" رواه مسلم.

    3- يمكن أيضاً إعدادُ بعض الكلمات التي تلقى في مسجد الحي، وحبذا لو كانت من كتاب رياض الصالحين؛ فهو كتاب تربوي جُمِع فيه أحاديثُ النبي صلى الله عليه وسلم التي تحث على الآداب الإسلامية وتحذر من ضدها، ولقد وضع الله لهذا الكتاب القبولَ لدى المسلمين؛ قال عليه الصلاة والسلام: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم.

    4- مما يرتبط بالتعليم والتعلم أيضاً إقامةُ دورات شرعية في المسجد يحتاجها روادُه مثل تغسيل الميت، وكذلك يمكن تجميعُ الأشرطة المستعملة وإعادة توزيعها، أو تجميع أشرطة الأغاني وتغييرها من المراكز المتخصصة في ذلك، وفي هذا المجال أيضاً يمكننا تعليق إعلانات عن الدروس في المسجد، ويمكن أيضاً للقادرين مِنْ شبابنا حضورُ الدورات المكثفة في حفظ القرآن ومراجعته وحفظ المتون العلمية كصحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، رواه البخاري ومسلم.
    وقال أيضاً: "اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"، رواه مسلم.

    وحريٌّ بنا أن نقوم بوضع بعض الكتيبات والمجلات الإسلامية في أماكن الانتظار في المستوصفات والمستشفيات ومحلات الحلاقة، وغيرها كبديل عما يعرض على الناس من مجلات سيئة، وحبذا الاشتراك في إحدى المجلات الإسلامية؛ ففي هذا نفع لك وتدعيم للإعلام الإسلامي.

    5- (إن من الناس من يسمع ولا يقرأ، ومن الناس من يقرأ ولا يسمع، فلا تترك الكلمة الطيبة تكتبها ولا تترك الكلمة الطيبة تقولها) هذه وصية رائعة سجلها بعض المشايخ وقد أوصاه بها أحدُ أصدقائه قبل الموت، ونحن نستطيع أن نطبق هذه الوصية الرائعة من خلال تكليف بعض الشباب بتفريغ بعض الأشرطة النافعة، ثم يقوم آخر بتلخيصها وإلقائها، فيكون في هذا نفع للجميع، ويمكن تنفيذُ هذا العمل في المراكز الصيفية التي يحبها الشبابُ لما فيها من نشاطات متنوعة اجتماعية ورياضية وثقافية.

    6- إن مما يحرص عليه كثير من الشباب في الصيف والإجازات ممارسةَ الرياضة، وهذا بلا شك عمل جميل؛ لأنه يؤدي إلى تقوية البدن وتحسين الخلق إذا تم فيه مراعاة الآداب التالية:
    أ- الاهتمام بالرياضة النافعة كالسباحة والرماية وركوب الخيل.
    ب- البعد عن التعصب لفريق معين أو لعبة معينة، كما ينبغي عدم الاستهزاء بالآخرين إذا أخفقوا. والمقصود بالرياضة هنا الممارسة لها مع الصالحين وليس المشاهدة التي تؤذي البدن بالجلوس الكثير، تؤذي العين بالمتابعة المستمرة للشاشات.

    7- إن من أجلِّ الأعمال التي ينبغي أن نحرص عليها طوال العام وفي الإجازات خاصةً برَّ الوالدين والإحسان إليهما بالقول والفعل وقضاء الحوائج، وصلة الرحم بالتزاور والتهادي والاتصال الهاتفي، والإحسان إلى الجار من خلال التواصل الذي يؤدي إلى الألفة، كالتزاور والهدية، كما ينبغي الاهتمام بالترابط مع جماعة المسجد من خلال جلسات تعارف وتعاون وتغافر، وليكن هذا أسبوعياً أو شهرياً.

    8- إن كان بجوار سكنك مكتب للجاليات أو هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما أجملَ مشاركتَهم بما تستطيع من جهد في رعاية الضعفاء واليتامى والمشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برفق.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.

    9- ينبغي على من يريد السفر في الصيف ليتمتع ألا يرهق نفسه بديون يصعب عليه سدادُها أو تكون عليه ديون حان أجلُها ويماطل في أدائها.
    قال عليه الصلاة والسلام: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله"، رواه البخاري.

    10- علينا أن نفكر فيما يناسب شبابنا ونشغلهم به فمن كان يحب حرفة نافعة علمناه إياها، ومن كان يحب الكتابة كلفناه بذلك، ومن الطريف أن أحد المعلمين طلب من تلاميذه أن يستشعروا ماذا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم– إذا زارهم الليلة، فكانت كتاباتهم رائعة وغير متوقعة؛ فمنهم من قال: أحبك يا رسول الله.. متى أراك؟
    ومنهم من كتب: معذرة يا رسول الله عما فعلته الدنمارك.
    وقال آخر: أنا لا أصلي، وسأعدك أن أصلي.
    وحتى الفتيات يمكن أن ينشغلن بكتابة بحوث على الحاسب أو بالخياطة وتدبير المنزل.

    11- أما أهم ما يجب علينا نحو شبابنا فهو حمايتهم من الانحراف، ويكون ذلك من خلال الخطوات التالية:
    أ- تزويج القادر منهم على الزواج فهذا من حق الأبناء على الآباء القادرين.
    ب- حثهم على صيام التطوع ومشاركتهم فيه.
    ج- إبعادهم عن رفقاء السوء؛ فالصاحب ساحب، ولا تعاشر الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تصاحب الفاسق فإن من خان الله لن يكون وفياً معك.
    د- ربطهم بمجالس العلم والأصدقاء الصالحين.
    هـ- شغل فراغهم بما يفيد؛ فالنفس كالطاحون التي لا بُدَّ أن تطحن فإن أعطيتها قمحاً أعطتك دقيقاً، وإن أعطيتها حصى أعطتك تراباً، وقيل: رأس الكسلان بيت الشيطان، وفي عقل البليد شيطان مريد.

    وصدق من قال:

    إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أيَّ مفسدة
    إن من أضرار الفراغ: الملل، والكسل، وسوء الأخلاق، والوقوع في المعاصي.

    إنه لا مانع من الترفيه البريء الخالي من الآثام بعد تعب في حفظ أو تعلم، وقد قال العلماء: (رَوِّحِ القلبَ يَعِ الذكرَ).

    ولما كانت النفوس تمل كما تمل الأبدان؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة: "يا حنظلة ساعة وساعة"، رواه مسلم؛ فساعة جادة مع العبادة والعلم والعمل، وساعة راحة مع الأهل والأولاد والحاجات.

    أما السهر الطويل المانع لصلاة الفجر، والنوم الطويل بالنهار، والساعات الطويلة بلا هدف في الأسواق أو الشوارع أو أبواب البيوت ومفارق الطرق؛ فهذا لا خير فيه، بل يخاف من شره، كيف وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والجلوسَ على الطرقات، فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُدّ نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر". متفق عليه

    وقد كره النبي -صلى الله عليه وسلم- النوم قبل العشاء والحديث بعدها.

    فالسهر المستمر تعب للنفس والعقل إلا إذا كان أحياناً وفي مذاكرة علم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق أو لأمر هام.

    فاحذر أن تكون ممن قال فيهم ابن الجوزي: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمن دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديث لا ينفع، وإن طال النهار فبالنوم، أو في الأسواق". فخطط من الآن لإجازتك ومع أول يوم فيه صلِّ ركعتين وادعُ الله أن يوفقك، فلا شك أن عملاً مبدوءاً بالصلاة سيكون فيه خير كبير، ثم ابدأ من أول يوم في تطبيقه، واحذر التسويف فهو علة النفس العاجزة، ومن كان عاجزاً عن امتلاك يومه فهو عن امتلاك غده أعجز، واحذر كثرة الخلطة فهي مضيعة العمر.
    [فعجباً لقوم أمروا بالزاد ونُودي فيهم بالرحيل وهم قعود يلهون] وفقنا الله جميعاً لما فيه رضاه.

    مراجع سهلة ينبغي أن تكون في مكتبك:
    1- في التفسير: تفسير الكريم الرحمن لابن سعدي.
    2- الحديث: رياض الصالحين للنووي.
    3- الفقه: الملخص الفقهي للفوزان.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 7:03 am

    تلميع وترقيع
    نعيش اليوم حياة تتَّسم بالسرعة، فنحن - كما يقولون - نعيش في عصر السرعة، ونسمع بين الفينة والأخرى عن اختراعات في مجالات عدة، ميزتها الأساسية اختصار الوقت، وهذا شيء جيد ومطلوب ولكن بشرط عدم الضرر، كأن تكون لهذا الاختراع آثار سلبية على الصحة مثلاً.

    ولكن هناك مجالات لا تصلح معها السرعة، بل من الخطأ الفادح أن نتعامل معها بسرعة، وأهمها مجال التربية، فالتغيير الإنساني يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، والأبحاث والدراسات في هذا المجال تستغرق من أصحابها سنوات عديدة.

    يقول الأستاذ عبدالرحمن عبدالخالق: نقول لهؤلاء المستعجلين، هل تظنون أن التربية كالصناعة المادية، حيث تضع الخامة من المعدن أو القطن أو الصوف في جانب، لنتلقاها في جانب آخر سيارة وثلاجة وقماشًا؟! هذا خطأ كبير؛ لأن التربية الإنسانية الفعلية بطيئة بطء النمو الجسماني، فتربية الأفكار والعقائد وآداب السلوك يحتاج من الزمن ما يحتاجه النمو الجسماني وأكثر.

    أيها المسلمون، لقد مكث النبي - عليه الصلاة والسلام - بعد بعثته ثلاثة عشر عامًا في مكة يربي أصحابه - رضي الله عنهم - ويرسخ فيهم العقيدة الصحيحة، التي هي أساس البنيان، فطهرت القلوب والعقول، وسمت الأرواح، فجاء مجتمع المدينة مجتمعًا فريدًا من نوعه، لأن الذي بناه جيل فريد، تربى على يد خير خلق الله أجمعين، وهو خير مربٍّ، وخير قدوة - عليه الصلاة والسلام - وبهذه العقيدة الصحيحة، وبهذا الإيمان اليقظ، استقام المسلمون على أمر الله.

    ونحن اليوم نفتقر إلى هذه التربية الإيمانية، وحياتنا أصبحت عبارة عن ترقيعات لا أكثر، نركز على جانب وننسى جوانبَ، نهتم بالفروع ونهمل الأساس، مع أن الإسلام نظام يشمل جميع جوانب الحياة، من القاعدة وحتى القمة، فالأمر ليس تعديل هنا وترقيع هناك، بل لا بد من الاهتمام أولاً بالتأسيس الصحيح؛ حتى يكون البنيان متينًا، فلو كانت الجذور سليمة خرج النبات طيبًا، ولكن لو كانت الجذور متعفنة، خرج النبات نكدًا، وليس من الحكمة تلميع ورقة نبات مريض، ولكن الحكمة هي علاج أساس المرض، واقتلاعه من جذوره، قال إياس بن معاوية: إن الشيء إذا بني على عوج لم يكد يعتدل.

    ثم إننا لن نلفت الأنظار إلى روعة ديننا إذا بقي الأمر مُجرَّد ترقيعات، يقول سيد قطب - يرحمه الله -: إن النفس البشرية فيها الاستعداد للانتقال الكامل من حياة إلى حياة، وذلك قد يكون أيسر عليها من التعديلات الجزئية في أحيان كثيرة، والانتقال الكامل من نظام حياة إلى نظام آخر أعلى منه وأكمل وأنظف - انتقال له ما يبرره في منطق النفس، ولكن ما الذي يبرر الانتقال من نظام الجاهلية إلى نظام الإسلام إذا كان النظام الإسلامي لا يزيد إلا تغييرًا طفيفًا هنا، وتعديلاً طفيفًا هناك؟!

    أيها الإخوة، إن التربية المنشودة ليستْ دُروسًا تلقى وحسب، وليست دورة هنا ودورة هناك، أو ندوة على إحدى الفضائيات، أو برْنامجًا إذاعيًّا، فهذه كلها ليست سوى وسائل للثقافة العامة، كالسنوات التي يقضيها الطلاب في المدارس، فهم يقضون أربعة عشر عامًا تقريبًا من عمرهم الذهبي في تحصيل رؤوس أقلام، وليتهم يحصلون على علم ديني أو معرفي يتناسب مع هذه السنوات الطويلة التي يقضونها في مدارسهم!!

    أعود فأقول: إنَّ التربية المنشودة هي - وكما يقول الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله - جو يصنع، وإيحاء يغزو الأرواح باليقين الحي، والعزيمة الصادقة، وهذا لن يتأتى إلا بقدوات حية، فالتربية بالقدوة من أقوى أساليب التربية.

    وربَّما لو تكاتفتْ واتحدت جهود المعلمين والمربين، والأئمة والخطباء، في المدارس والجامعات، والمساجد ومراكز تحفيظ القرآن، وغيرهم ممن يطمحون إلى تحقيق التربية الإيمانية الصحيحة، فوضعوا المناهج، ورسموا الخطط، وعادت حلق العلم في المساجد، فربما بهذا نصل أو نقترب من الغاية المنشودة، فتجميعُ الطاقات خيرٌ من تبعْثُرِها، واتِّحاد الكلمة خير من تشتُّتها.

    فَرُبَّ صَغِيرِ قَوْمٍ عَلَّمُوهُ سَمَا وَحَمَى المُسَوَّمَةَ العِرَابَا
    وَكَانَ لِقَوْمِهِ نَفْعًا وَفَخْرًا وَلَوْ تَرَكُوهُ كَانَ أَذًى وَعَابَا
    فَعَلِّمْ مَا اسْتَطَعْتَ لَعَلَّ جِيلاً سَيَأْتِي يُحْدِثُ العَجَبَ العُجَابَا
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 7:04 am

    منهج قرآني في التربية


    سئمنا من الغرب ونظرياته التربوية الأخلاقية!!

    سئمنا من دَجَلِهم وأكاذيبهم!!

    سئمنا من أبناء جلدتنا الذين صدق فيهم وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم: ((لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه وراءهم)).

    وكما يقول مثلنا الشعبي: "فاقد الشيء لا يعطيه".

    نحن نعترف بنهضتكم العلمية التقنية ونأخذ بها ونتجرعها على أنها الدواء المر إلى أن تستيقظ أمتنا من سباتها! ولعل الأمر قريب بعون الله.

    أما أن نستورد منكم عاداتكم، وأخلاقكم، ونظرياتكم في التربية، فهذا ما لا نقبله ولا نقر به أو نعترف.

    لقد صعدتم الفضاء علميًّا، هذا صحيح؛ لكنكم هبطتم إلى ما دون البهائم أخلاقيًّا!

    لقد ركبتم الطائرات؛ لكنكم غرقتم في وحول النزوة والشهوات!!

    لقد اخترعتم وسائل الاتصال، وكنتم أبعد الناس عن الله اتصالاً.

    وما فسد هذا العصر إلا حين قدتم العالم بزيفكم، وضلالكم، ونظرياتكم التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وحين تراجعت "أمة اقرأ" عن الرسالة التي كُلِّفَتْ بها.

    ولن أطيل أكثر لندخل في صلب الموضوع:
    قرأت مُكْرَهًا نظريات الغرب في التربية بحكم البحث والدراسة، ووجدت أنها لم تتعد الأوراق التي كُتبت عليها، أو المداد الذي شربت منه!!

    ففي مجال التعليم مثلاً:
    تارة يقرون بمبدأ الشدة والحزم التام، ثم يتراجعون ليقِرُّوا مبدأ اللين والتساهل المفرط، ثم يكتشفون أنهم مخطئون، فهم يتخبطون كما يتخبط الذي مسه الشيطان.
    وليتهم اطلعوا على المنهج الرباني الأمثل في التربية، منهج أمة الوسط؟!

    قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

    وتأمل أخي الإنسان هذه الآيات القرآنية:
    قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً * وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} [النساء:56 - 57].

    قال تعالى:
    {أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا * وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [النساء: 121 - 122].

    قال تعالى:
    {فأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة: 85 - 86].

    قال تعالى:
    {َمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} [الفتح: 17].

    وكذلك السور التالية: [سورة الحج: 23 - 25]، [سورة التغابن: 9 - 10]، [سورة الطلاق: 10 - 11]، [سورة التحريم: 7 - 8].

    وآيات كثيرة لا يتيح المقام لنا أن نطيل أكثر.

    وما نستخلصه أن الله سبحانه كلما ذكر آية أو آيات في النعيم أو وصف المؤمنين، أعقبها أو جعل قبلها آيات العذاب أو وصف الكافرين.

    فالإنسان لا يعيش بالرجاء وحده، وإلا تواكل وهبطت عزيمته وبطل عمله.

    كما أنه لا يحيا بالخوف وحده، وإلا فقد الأمل واستسلم لليأس والحزن.

    إذًا يجب أن يسبح الإنسان بين مدِّ الرجاء والأمل، وجزر الخوف والخجل، ليصل إلى شاطئ الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

    جعلنا الله وإياكم ممن يصلون إلى هذا الشاطئ بمنِّه وفضله.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: منهج التربية الإسلامية في تنظيم الغريزة الجنسية   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 7:07 am


    • حرَّم الإسلامُ الرهبانيةَ؛ لأنها تخالف الفطرة، وتصادم السنن، وتعطل الحياة.
    • الإسلام لا يستقذر الشهوات ولا ينكرها، ولكنه ينظمها ويضبطها.
    • المثالُ الذي يسعى الإسلام إلى تحقيقه، لا يخرج عن حدود الطاقة البشرية
    أ- ربَّانية لا رهبانية:
    ذم القرآنُ الرهبانيةَ التي ابتدعها النصارى؛ لأنها تخالف الفطرة، وتعطل الحياة، وتصادم السنن، ولأنها طغيان في الميزان، ولذلك أنكر القرآنُ على الذين يحرمون زينة الله وطيباته {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ....} [الأعراف: 32].

    إن الطيبات مائدة الله بسطها في أرضه ودعا إليها رسله، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، ودعا إليها المؤمنين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ...} [البقرة: 172]، فهل يدعونا الله إلى مائدته ثم نعرض عن دعوته ولا نجيب؟! وهل نملك ألا نجيب؟! وهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن خير ربه وفضله؟ ولو اتجه هذا الاتجاه، قسراً لطبيعته وقهراً لفطرته، فهل يطيق صبراً، ويواصل سيراً؟ وهل ستكون النتيجة لو تصبر وواصل السير في هذا الطريق المعاكس للفطرة إلا توقف الحياة وهلاك الإنسان؟.

    إن الله -سبحانه- أباح الطيبات، فما ينبغي لأحد أن يحرمها على نفسه، أو يحمل غيره على تحريمها، أو ينتقص ممن تناولها بلا وكس ولا شطط، والله أبصرُ من هذا المتنطع بما يُصلح حياةَ الإنسان ويسعده، ولو علم في الطيبات أذى، لوقاه منها، ولنهاه عنها.

    إن حب الشهوات والميل إليها فطرةٌ جُبل عليها الإنسانُ، وهي تقوم بحفظ الحياة وإنمائها، فكيف تذم وتهجر؟ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]. فالإسلام لا يعرف الكبت؛ لأنه يعترف بالشهوات والغرائز والنوازع الفطرية عموماً، ولا يستقذرها، ولا يقوم نظامُه على قهرها وإلغائها، ولكنه ينظمها ويضبطها، وينبه الإنسانَ على استعداده للتسامي فوقها، والتطلع إلى ما هو أكبر من الدنيا وأحسن، إذ أتبعَ تقريرَ تلك الحقيقة، الدعوةَ إلى ما هو أسمى وأكبر، فقال: {وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15]. والقرآن في أساليبه البيانية يقابلُ دوماً متاعَ الدنيا بنعيم الآخرة، لتحقيق التوازن في سلوك الناس حتى لا يسترسلوا في تناول شهوات الدنيا، ويستغرقوا فيها، فتشغلهم عن ذكر الله والآخرة، وعلى ضوء هذا نفهمُ ما ورد في ذم الشهوات وعيبها، فإنه لم يأت منعًا كاملاً لها، ولكنه ذم للطغيان فيها، ولو أخذ الإنسانُ منها بقدر المباح لما لحقه ذم أو عيب، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 87–88].

    وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآيات أن رهطاً من الصحابة قالوا: نقطعُ مذاكيرَنا ونتركُ شهواتِ الدنيا، ونسيح في الأرض كالرهبان. وعنه أيضاً أن رجلا أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني إذا أصبتُ من اللحم انتشرتُ وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم؟ فأنزل الله تعالى ذكره الآية.

    إنَّ تعذيبَ الجسد، وتحميلَه ما لا يطيق ليس من مقاصد الإسلام، ولا من وسائله لبلوغ الكمال الإنساني؛ لأن المثال الذي يسعى الإسلام إلى تحقيقه، لا يخرجُ عن حدود الطاقة البشرية، كما قال سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286]، ولذلك نهى –صلى الله عليه وسلم- عن صوم الوصال؛ لأنه خرج من حدّ التهذيب إلى حدِّ التعذيب، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن صوم الوصال رحمةً بالناس، فقالوا: إنك تواصل. فقال: (إني لست كهيئتكم؛ إنّي يطعمني ربي ويسقين). ومن وصاياه -صلى الله عليه وسلم- ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (اكلَفوا من العمل ما تُطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا؛ فإن أحب العمل إلى الله أدومُه وإن قل). ومن شذَّ عن هذا المنهج الوسط المعتدل عن هوى أو خرج عنه لا يريد إلا الخير، وجب ردُّه إليه وتقويمُ سيره حتى يستقيم على الطريقة، كما فعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع النفر الثلاثة ومع عبد الله بن عمرو وعثمان بن مظعون وسواهم.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 7:09 am

    • مشكلة الجنس في الغرب هي ثمرة موقف النصرانية المعادي للحياة الجنسية.
    • مجتمع الصحابة لم يعرف المشكلة الجنسية، والزواج عندهم سهلٌ ميسَّر.

    • • • • •

    ب- موقف الإسلام من الغريزة الجنسية بين الإباحية والرهبانية:
    يمتاز الإسلامُ عن غيره من سائر الأديان والمذاهب في سياسته للجنس بأنه دين وسط بين المذاهب الإباحية التي أطلقت للغريزة العنان، وبين الرهبانية التي تتجه إلى كبت الغريزة وقهرها، فالإسلامُ لا يعادي الجنس ولا يستقذره، ولكن يستجيب للضرورة الجنسية عن طريق نظام الزواج وتشريعاته، وينظم العلاقةَ بين الرجل والمرأة، ويضع التدابيرَ الصحية كالنظافة والاعتدال ونحوه بصراحة متناهية دون نفاق أو مواربة.

    يقول علي عزت بيغوفيتش -رحمه الله- في مقالة له بعنوان: (المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي):
    "إن الإسلام لا يرفض الحياة الجنسية، لأنه يدعو إلى حياة طبيعية وسعادة الحب، بقدر ما يدعو إلى صحة البدن والقوة والشجاعة والجهاد وكسب المال، ولأنه يعارض الإعراض عن الدنيا كما يعارض الإسراف فيها. يطالبنا الإسلام بجني (الثمار السماوية) إضافة إلى (الثمار الأرضية) ويسمح للإنسان أن تمتد يداه –اللتان رفعتا إلى الله متذللة بالدعاء قبل قليل – نحو مسرات الدنيا، ولا تعلمنا الآدابُ الإسلامية الإلحاحَ في ذكر المحرمات؛ لأن الإسلام لا يسعى لإقامة جدار يحوط جميع الأنهار التي يمكنها إرواء العطش. ولا يطالب الإسلام بالقضاء على الشهوات، بل يطالب بالسيطرة عليها، ولا يسعى لقطع الشهوة الجنسية، لكنه يضع لها الضوابط والحدود"[1].
    "إن مطالبة الإنسان بأمور تتنافى مع طبيعته، وتخرج عن دائرة طاقته، مثل إتلاف البدن والإعراض عن الجنس وقطع الشهوة، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية كانتشار الزنى بالطريقة التي نشاهدها في دول الغرب، يؤكد الفيلسوف كيركيغارد أن موقف النصرانية المعادي للحياة الجنسية أنشأ مشكلة الجنس، ويضيف ديني دي روزمون في كتابه أساطير الحب: "إن المشكلة الجنسية تظهر فقط في أوربا في صورتها المعقدة؛ لأن التعاليم والأخلاق النصرانية هزت أوربا لكون النصرانية في صدام أبدي مع متطلبات حياة عامة الناس".

    وفي حقيقة الأمر تكوّن المجتمع الأوربي -والكلام للسيد علي عزت بيغوفتش- تحت تأثير متزامن لفلسفتين متناقضتين: الفلسفة النصرانية المعادية كلياً للحياة الجنسية، والفلسفة المادية الداعية إلى التمتع بكل ما في هذه الدنيا الوحيدة، وبما أن الخيار النصراني مستحيل البلوغ في واقع الحياة -بغض النظر: اعترف هؤلاء بذلك أم لا - فإن الغلبة كانت من نصيب الفلسفة الثانية، وظل الإسلام أبداً يبحث ويجد طريق الوسطية في الحياة الجنسية شأنه في بقية أمور الحياة؛ لأن الإسلام كان وبقي فلسفة الممكن في الحياة" ا.هـ[2].

    وهذا الذي نبه عليه فلاسفةُ الغرب سبقهم إليه علماء الإسلام؛ يقول ابن الجوزي، وهو يقرر هذه الحقيقةَ، أي أن الرهبانية وقطع الشهوة، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، يقول في كتابه الشهير (تلبيس إبليس) في باب: (ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك النكاح): واعلم أنه إذا دام تركُ النكاح على شُبان الصوفية أخرجهم إلى ثلاثة أنواع: -فذكر منها النوع الأول وهو المرض بحبس الماء. ثم (النوع الثاني) وهو: الفرار إلى المتروك-، فقال: "فإن منهم خلقاً كثيراً صابروا على ترك الجماع فاجتمع الماءُ فأقلقوا وجاعوا فلامسوا النساء، ولابسوا من الدنيا أضعافَ ما فروا منه، فكانوا كمن أطال الجوعَ ثم أكل ما ترك في زمن الصبر. والنوع الثالث: الانحرافُ إلى صحبة الصبيان؛ فإن قوماً منهم أيسوا أنفسهم من النكاح فأقلقهم ما اجتمع عندهم فصاروا يرتاحون إلى صحبة المرد"[3].

    وعلى ضوء ذلك نتبينُ حكمةَ تشريع الزواج في الإسلام، وحض الشباب عليه، والإنكار على من اتجه إلى تحريمه بدعوى التفرغ للعبادة وهجر الدنيا.

    ج- الإسلام يستجيب للطبيعة الجنسية:
    يستجيب الإسلام للطبيعة الجنسية، فهو يحض على الزواج، ويرغّب فيه، وفي صحيح مسلم عن علقمة قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك؟! قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

    وهو لا يرغّب في الزواج فحسب، بل يدعو إلى مراعاة الحياة الزوجية، ويعد الجماع صدقة وعبادة، ففي الصحيحين أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (وفي بُضْع أحدكم صدقة). قالوا: يأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر!. قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟). قالوا: نعم، قال: (وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). ثم قال: (أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير!). فما أعظمَ هذا المنهج!. وما أحكمَه وأعدلَه وأصوبه حيثُ لا ينقطعُ المرءُ عن آخرته حتى في حالة جماعه لزوجه، وهو مستغرق في أكبر صور المتعة الحسية، ويؤجر ويثاب، ويسمي الله في أول الجماع، ويتعوّذ من الشيطان!. روى الشيخان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرّه الشيطان أبداً). وهذه - لعمر الحق - دقة متناهية في الوزن والحساب والربط والتوفيق بين المادية والروحية، لا يقدر عليها منهج آخر.

    قد يقال: نعم الزواج يحل المشكلة الجنسية، ولكن لا سبيل إليه مع غلاء المهور وتكاليف المعيشة الباهظة، كما أن العفة تكليف شاق في مجتمع يعج بالشهوات، ويمتلئ بالمثيرات، ويهيج على ارتكاب الجريمة الجنسية!. وهذا صحيح، فحياة المدنية المعاصرة والتأجيل غير الطبيعي للحياة الزوجية يفضي إلى كل مثبط عن الزواج، في الوقت الذي يقدِّم فيه إلى الناس كلَّ باعث على الصلة الجنسية وكل سبيل يسهل أداءها، ولا مفر -والأمر كذلك- من أن تضعف قوةُ الضبط، ويأخذ الجسد في الثورة، ويستفحل في المجتمعات التحللُ الجنسي والإباحي، ويزهد الناس في الزواج، ويفضي ذلك -على المدى البعيد- إلى انهيار نظام الأسرة برمته ومن ثم انهيار النظام الأخلاقي والاجتماعي!.

    هل الإسلام هو المسؤول عن المشكلة الجنسية في المجتمعات المعاصرة؟! كلا، الإسلام ليس مسؤولاً عنها؛ لأنه –باختصار- نُحِّيَ عن الحياة، واتخذه الناسُ وراءهم ظهرياً، فهو دين لا يعرف شيئاً اسمه "المشكلة الجنسية"، ولا يعاني أي عقد أو اضطرابات تجاه الحياة الجنسية، كتلك التي تعيشها الفلسفةُ النصرانية المتزمتة، فهو يعترف بالضرورة الجنسية، ويلبيها عن طريق الزواج، وييسر تكاليفه، ويزيل كل ما يعوقه، ويطهر المجتمع من كل ما يثير الفتنة، ويهيج على الجريمة، فالإسلام منهج معتدل وسط، لا يكبت المشاعر، ولا يطيل الحرمان[4]، ونظامه الاجتماعي والاقتصادي يعين على الزواج المبكر بتوفير أسبابه وفتح أبوابه وإزالة عوائقه، من خلال نظامه الكلي الشامل، حيث تتكامل تشريعاته ونظمه، وتتعاون فيما بينها، لتحقيق غاياته وأهدافه، أما تعقيداتُ المجتمع الحالية اجتماعياً واقتصادياً، فالمجتمع نفسه هو المسؤول عنه؛ لأنها من صنع يديه، وعلى الناس أن يرجعوا إلى دينهم، ويتكيفوا مع فطرتهم.

    د- سهولة الزواج:
    هذا الزواج الذي يعد في نظر كثير من الشباب اليوم حلماً، ودونه خرطُ القتاد، هذا الزواج سهل ميسور لكل أحد، بفضل تعاليم الحنيفية السمحة، ففي السنة: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة) رواه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان. وقد ورد النهي في السنة عن التغالي في المهور، ففي الحديث الشريف: (إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها)، رواه أحمد والنسائي. وهذا خلاف ما عليه الناس اليوم من المغالاة في المهور والولائم والأثاث والجهاز وتكاليف الأفراح الباهظة؛ إذ تكثر أسباب الاستهلاك، وتتعدد أنواعه من الطعام والشراب والترفيه وسواه.

    وعندما تطَّلع على زواج الصحابة -رضوان الله عليهم- يأخذُك العجبُ، وتستولي عليك الدهشةُ من سهولته ويسره، ولذلك خلا مجتمعُهم من شيء اسمه المشكلة الجنسية، وخلا من مشكلة الكبت الجنسي والعزوبة والعنوسة والعُقد التي يعانيها الناسُ اليوم، ويتجرعون مراراتِها، حتى الأيامى من نساء الصحابة كانت إحداهن لا تنقضي عدتُها حتى تصير ذات زوج، وتتمتع بطبيعتها الجنسية ولا تحرم منها، وقد يطول بنا الكلامُ لو أردنا عرض نماذج من زواجهم، ولكن خذ عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل مثلاً، تزوجها عمرُ بن الخطاب، وهي ابنة عمه وكان لها محباً وبها معجباً (كذا في البداية والنهاية)، وقد كانت قبله تحت زيد بن الخطاب، فقُتِل عنها، وكانت قبل زيد تحت عبد الله بن أبي بكر فقُتل عنها، ولما مات عمر تزوجها بعده الزبيرُ، فلما قُتِل خطبها علي بن أبي طالب فقالت: إني أرغب بك عن الموت!، وامتنعت عن التزوج حتى ماتت. [انظر: البداية والنهاية -ابن كثير- أحداث سنة إحدى عشرة- جزء 6 - صفحة 353]. ولما تزوج علي فاطمة -رضي الله عنهما- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (أعطها شيئاً!). قال: ما عندي شيء!. قال: (أين درعُك الحُطَمِية فأعطها إياه)، رواه النسائي والحاكم. فهذا مهر فاطمة بنت محمد أكمل نساء العالمين، لقد زوجها أبوها بدرع، فهل أنقص ذلك من قيمتها؟. عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (ألا لا تغالوا بصداق النساء؛ فإنها لو كانت مكرمةً في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله! ما علمتُ رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية)، رواه الترمذي والنسائي وأحمد.

    ولكن ماذا كان جهاز فاطمة؟ قال علي: جهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة خميلاً ووسادة حشوُها إذخر -أي قش-. ووصف جابر عرس فاطمة فقال: حضرنا عرس فاطمة، فما رأينا عرساً أحسن منه، حشونا الفراش ليفاً، وأتينا بتمر، وزبيب فأكلنا، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. أما عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفية -رضي الله عنها- فقد وصفه أنس، فقال: حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أمُّ سليم ، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي عروساً، فقال: من كان عنده شيء فليجئ به (وفي رواية: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به). قال أنس: وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالسمن، وجعل الرجل يجيء بالتمر، فحاسُوا حَيْسًا، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس، ويشربون من حياضٍ جنبَهم من ماء السماء، فكانت وليمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. رواه الشيخان وغيرهما.

    فأين هذه الوليمة اليسيرة من ولائم الأفراح الضخمة التي يقيمها المسلمون اليوم، فيبددون أموالهم، ويهدرون ثرَواتِهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم ابتغاءَ الشهرة والسمعة والرياء؟!.

    بل حدثنا التاريخُ عن أعراس لبعض أولاد الملوك والأمراء، انتهت بخزينة الدولة إلى الإفلاس.

    [انظر: تحفة العروس، محمود مهدي الإستامبولي، المكتب الإسلامي، ط6، 1986م، ص 83].
    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] المجتمع، العدد 1109، المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي، علي عزت بيغوفيتش.
    [2] المجتمع، العدد نفسه.
    [3] تلبيس إبليس - ابن الجوزي - دار الكتاب العربي - بيروت - ط1، 1405 - 1985 - تحقيق: د. السيد الجميلي - جزء 1 - صفحة 361.
    [4] التطور والثبات في حياة البشر - محمد قطب - دار الشروق - ط4 - 1400هـ - 1980م - ص 305 وما بعده.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    الشيخ/ احمد مصطفى
    المديرالعام والاب الروحى للمنتدى
    الشيخ/ احمد مصطفى


    ذكر
    عدد الرسائل : 73
    تاريخ التسجيل : 12/09/2008

    سلسلة التربيه اسلاميه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سلسلة التربيه اسلاميه كامله   سلسلة التربيه اسلاميه كامله Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 15, 2008 7:10 am

    ملامحُ المشروع التربوي الناجح


    المشروعُ التربوي خيرُ مشروعٍ تخطّطُ لهُ الدولُ والمؤسسات التعليميّة؛ لأن نجاحَه نجاحٌ للمجتمع بأسره، وارتقاءٌ بكلّ أطيافه، فكلّما تألّقت التربيةُ تعافى المجتمع، وإذا ما تعافى المجتمعُ دبَّتِ الحيويةُ في عُروقِه وأصبحَ قادراً على العطاءِ والإنتاج، وكلّما تقهقرت التربيةُ خبا بريق الأمة، ووجدنا أنفسَنا وجهاً لوجهٍ أمامَ خطرٍ يُنذرُ بتراجعِ الفكرِ، وانحسارِ الرؤية.

    يقول الدكتور علي الجبتي: ((تتّجهُ المجتمعاتُ اليوم إلى البحثِ عن أفضلِ السُّبل التي توصلُها إلى تحقيقِ أهدافِها والقضاءِ على مشكلاتها، وتيسيرِ سُبُلِ العيش فيها.. وهناكَ إجماعٌ بأنّ التربيةَ هي الوسيلةُ التي تمتطيها تلك المجتمعاتُ للوصول إلى الأهداف))[1].

    والتربيّةُ متلازمةٌ مع كُلّ نشاطٍ بشريّ، وموجِّهةٌ له، والحاجةُ إليها مُلحّة، وهي ضرورةٌ من ضرورات الحياة، وليست التربيةُ مشروعاً مؤقّتاً قد ينتهي بمئةِ عامٍ أو ألفِ عام، ولكنّها مشروعٌ مستمرٌّ وحيويٌّ ومتجدّد ما أشرقت الشمسُ، وكرَّ الجديدان.

    يقولُ المفكّر الأمريكي جون ديوي: "التربيةُ مستمرةٌ، وليست جرعةً تُعطى مرّةً واحدةً إلى الأبد، بل هي بحاجةٍ إلى الاستمرارِ؛ لأن العلمَ لديه دائماً شيءٌ جديدٌ يُوافينا به"[2].

    والتربيةُ ليست مجرّد وسيلةٍ للمعرفة فحسب، بل هي وسيلةٌ لتوليدِ وإبداعِ أدواتِ الإنتاج المعرفيَّة، ومع هذا، فإنّ التربيةَ لم تحظَ بالاهتمام المطلوب في كثيرٍ من مجتمعاتنا العربية على الرغم من أنّها المرتكزُ والأساس الذي تُشاد عليه هيبةُ الأمم وأمجادها وحاضرها ومستقبلها.

    والمشروع التربوي لا يُكتبُ له النجاحُ إلا عندما يؤمنُ القائمون عليه بمقاصدهِ القريبة والبعيدة، مع بذْلِ قصارى الجهود في سبيلِ تحقيقه؛ يقول أرسطو: "جذورُ التربية مُرّة، ولكنّ ثمارها حلوة"[3].

    وقيل: "من لم يصبر على ذلّ التعليم.. أمضى عمرَه في عماية الجهل، ومن صبرَ عليه آل أمره إلى عزّ الدنيا والآخرة".

    ورحم الله الشاعر الذي قال:

    ومن لم يَذُق مُرَّ التعلّم ساعةً تجرّع ذُلّ الجهل طول حياته
    فأول ملامح المشروع التربوي يتمثّل في الدور الذي ينبغي أن يقوم به رأس الهرم، وذلك بتجهيزِ المدارسِ المزوّدة بالوسائلِ التعليمية المتطوّرة التي تمكّنُ الأسرةَ التربوية من العملِ بأريحيّةٍ تكفُلُ لها تحقيق رسالتها، فضلاً عن توفيرِ المنهجِ المتكامل والمعاصر الذي يواكبُ كلّ جديد، ويلامسُ اهتمامات الطلاب الذين أُعِدّ من أجلهم.

    فالمنهج أداةٌ رئيسةٌ في كلّ نهضة، والمنهجُ بنظر المعلمين البُناة دروعٌ واقية لنسيجِ الأمة المتين، ومناجمُ ذهبٍ متدفّقة توفّرُ لهم الحياة الرّغيدة، ولأبنائهم المستقبلَ الآمنَ الواعد، ومكتباتٌ عامرةٌ تزخرُ بالبحوث العلمية والمؤلّفات الثريّة التي تقدّمُ للإنسانيةِ النفعَ والفائدة.

    والسؤال الذي يقفزُ إلى الذهن: هل المنهجُ الملائمُ وحدَه يحققُ أهدافَ التربية؟ والجواب لا؛ لأنَّ المنهجَ السليمَ يحتاجُ إلى معلمٍ حاذقٍ مخلصٍ مؤمنٍ برسالتهِ يحوّل المنهجَ إلى روضةٍ غنّاء تفوحُ منها الطيوبُ، وتهفو إليها قلوبُ الطلاب وتنشدّ إليها عيونُهم..

    وهنا تبرُزُ مهمّة جديدة منوطة برأس الهرم التربوي (وزارات التربية والتعليم) وهي إعداد المعلمين الأكفاء.

    يقول هاورد جاردنر: "المعلمُ الناجحُ ذو الخبرةِ والتدريب الجيّد لا يزال أفضل من الوسائلِ التكنولوجية الأكثر تقدماً، وإنّ أعظم الأجهزةِ والبرامجِ لا تزال قليلةَ النفعِ في غيابِ المنهجِ وعلمِ أصولِ التدريس والتقييم المناسب"[4].

    ولا يفوتُني أن أركّز على أهميةِ طرائقِ التدريس، فالطريقة التي يتّبعها المعلم في أثناء شرح المنهج بمنزلةِ الجناح للطائر.

    فالتّدريس فنّ يتطلّب من المعلّم القيامَ بمهارات كثيرة لشدّ انتباه الطلاب.

    يقول الدكتور الدمرداش سرحان: "لطريقةِ التدريسِ أثرٌ كبيرٌ في تحقيقِ أهدافِ التربيةِ وينبغي أن نتذكّرَ هنا أنَّ المعلمَ لا يعلّمُ بمادَّتِه فحسب، وإنما يعلّمُ بطريقتِه وأسلوبِه وشخصيته وعلاقاته الطيبة مع تلاميذه وما يضربُه لهم من قُدوة حسنة ومثلٍ أعلى"[5].

    وهل المنهجُ السليمُ والمعلمُ الماهر يحققان نجاحَ المشروع التربوي الذي نريد؟
    الجواب: لا يحقِّقانِ نجاحَه على الرّغم من كونهما عاملين حيويّين في بناءِ المشروع التربوي؛ لأنّه لا بدَّ من وجودِ عاملٍ ثالثٍ وهو الجهازُ الإداريُّ المتكامل الذي يحتوي على الخبيرِ التربوي المؤثّر، والمدير القائد الذي يحرّكُ مجدافَ المدرسةِ بحكمةٍ وبُعدِ نظر، فيكافئُ المعلمينَ المخلصين، ويأخذُ بأيدي حديثي العهد، ويتعهّدهم بالتدريب فيبني خبراتهم لبنةً لبنة، ويجعل من الطلابِ ومن أولياء أمورهم شركاءَ فاعلين في العملية التعليميّة؛ لتبدو المدرسةُ أسرةً فكريةً متعاونة تحققُ النجاحَ تلو النجاح.

    يقول نيوتن: "إذا كنتُ قد استطعتُ أن أرى أبعدَ من غيري، فلأنني وقفتُ على أكتافِ عددٍ كبير من العمالقة"[6].

    ويقول دايل كارنيجي: "عندما يعملُ الإخوةُ معاً تتحوّلُ الجبالُ إلى ذهب"[7].

    والعاملُ الحاسمُ الآخرُ في نجاحِ المشروعِ التربوي تعاونُ الأسرة التي هي نواةُ المجتمع عن طريقِ بناءِ القيم الإنسانيَّة الإيجابية، وترسيخِها في نفوسِ الأبناء، وتوفيرِ الاستقرار والصحّة النفسيّة لهم، وإكمال دور المدرسة بالمتابعة الفاعلة والتواصل البنّاء.

    يقول ابن قيّم الجوزيّة: "من أهملَ تربيةَ ولدهِ في الصّغر فقد أساءَ إليه غايةَ الإساءة"[8].

    ويقول الدكتور أحمد خليل جمعة في كتابه (الأطفال والطفولة): "ولا ريبَ في أنّ للمدرسةِ والتّعليمِ أكبرَ الأثر في تنميةِ الذّوق والجمال عندَ النّاشئة؛ فالتّربيةُ الجماليةُ تُسهمُ في تنميةِ الفضيلةِ الأخلاقيَّة عند الأطفال وتُزوّدهم بعاداتٍ جميلة"[9].

    بقيَت هناكَ حلقةٌ مفقودةٌ في بناءِ المشروعِ التربوي، ألا وهيَ الإعلامُ الهادف الذي يوفّرُ للطلاب بُعداً معرفيا ثالثاً يشتملُ على المُتعة والفائدة، ويؤصّلُ فكرَ المجتمع وآدابِه وقيمِه.

    ولكنَّ ما نراهُ الآن على شاشاتِ التلفازِ من مُسلسلات كرتونيّة تُنمّي فكرةَ الخيالِ والعُنف والشّعوذة والخرافات، ويُبْرِزُ بعضُها مُطلقيّة الحكمِ والتصرّف بالكون للطبيعة، ويكتفي ما بقيَ منها –وكثُرَ- بتقديم التّسلية الرّخيصةِ المفرّغة من كلِّ قيمةٍ أو مغزى.

    هذا النوعُ من الإعلام الهشّ لا يُساعد -بأي حالٍ من الأحوال- على بناءِ المشروعِ التربوي ولكنه يُسهمُ في هدمه، فَيُسيءُ للمشاهدين من الأطفال والفتيان، و يفصلُهم بالكليّة عن بيئتهم الحقيقيّة وعن خلفيّتهم الفكرية والدينيّة والاجتماعية، ويولّد بدورهِ العنفَ في صفوفِ الأطفال بما يتبَنّونه من سلوكيّاتٍ خاطئةٍ في تقليدٍ أعمى لأبطال المسلسلات الكرتونية.

    ذكرَ الدكتور (خالد الجريسي) في كتابه (الفنّ الواقع والمأمول): "أثبتت دراسةٌ أنَّ نسبةَ 90% من الأطفالِ الذين يرتكبونَ الجرائمَ يكمُن وراءَها مشاهدةُ أفلامِ العنف"[10].

    ولابدّ من الإشارةِ إلى لمحةٍ جدِّ مهمّةٍ في المشروعِ التربوي؛ إنها العملُ بمبدأ روحِ الفريقِ الواحد، ففي الحقيقة إنّ المؤسسةَ التعليميَّة وإدارةَ المدرسة والمعلم والأسرة والإعلام مجتمعين يكونون الفريق الذي يُعوّل عليه المجتمعُ في تطوّره ورقيّه. ولكي يحقِّقَ هذا الفريقُ أهدافَه لا بدّ لهُ من العملِ تحت مظلّةِ التعاون والإتقان والتغاضي عن الهَنات والهفَوات الصّغيرة.

    يقول جون هويس: "التعاونُ ركيزةُ النّجاح"[11].

    وما أحوجَنا جميعاً إلى العملِ بهذا المبدأ في المدرسة والشركة والأسرة وفي كلّ مجالات الحياة وفعالياتها.

    وإنّ ما نراهُ في بلادنا العربيّة من محاولاتٍ جادّة، وجُهودٍ مخلصة لخدمةِ المشروع التربوي لَيُبشّر بالخير، فأمُّتنا أصيلةٌ وذاتُ مخزونٍ فكريٍّ حضاريٍّ ثريٍّ قابلٍ للنّهوضِ والازدهار والتّحليق من جديد فوقَ روابي الألقِ والإبداع عندما تكتملُ العوامل والأسباب.

    ورحم الله شوقي عندما قال:

    أمةٌ ينتهي البيانُ إليها وتؤولُ العلومُ والعلماءُ
    كلّما حثّتِ الرّكابَ لأرضٍ جاورَ الرّشد أهلها والذّكاءُ
    وفي الختام، كُلّي أملٌ في أن يُكمِلَ جيلُ الغَدِ الواعد ما بدأنا به، ويحقّقَ ما عَجَزْنا عنه.. سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يكلأهم برعايته ويخصّهم بعنايته وحفظه.
    ــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] مجلة المعرفة العدد 37 /1419هـ مقالة من إعداد د. علي الجبتي ص: 83.
    [2] موسوعة روائع الحكمة، د. روحي البعلبكي.
    [3] المصدر السابق.
    [4] كتاب أفضل النصائح للمعلمين، تشارلز ماكجوير.
    [5] كتاب المناهج المعاصرة، الدكتور الدمرداش سرحان.
    [6] موسوعة روائع الحكمة، د. روحي البعلبكي.
    [7] المصدر السابق.
    [8] كتاب صحيح جامع بيان العلم وفضله. لابن عبد البرّ.
    [9] الأطفال والطفولة، د. أحمد خليل جمعة.
    [10] كتاب الفن الواقع والمأمول، د. خالد عبد الرحمن الجريسي.
    [11] موسوعة روائع الحكمة، د. روحي البعلبكي.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    سلسلة التربيه اسلاميه كامله
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
     :: المنتدي الاسلامى :: المنتدي الاسلامي العام-
    انتقل الى: