لقد بنيت الكعبة المعظمة اثني عشرة مرة إذا اعتبرنا البناء من الجذور والبناء الترميمي الشامل .
بناة الكعبة المشرفة هم الملائكة عليهم السلام , آدم عليه السلام , ثم شيت عليه السلام , ثم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام , ثم العمالقة فَجُرْهُم , وقريش ثم عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما , والحجاج بن يوسف الثقفي , ثم السلطان مراد خان وأخيرا خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز آل سعود وفقه الله .
لقد بنى الملائكة عليهم السلام الكعبة المشرفة لتكون في مقابلة البيت المعمور في السماء .
قيل إن آدم عليه الصلاة والسلام بنى البيت من خمسة أجبل كانت الملائكة تحضر له حجارتها , وهي جبل طور سيناء , وحراء , وطور زيتا , وجبل لبنان , والجودي .
الجبال التي ورد بين كتب التاريخ أن الكعبة بنيت منها هي الخمسة التي ذكرت إلى جانب الجبل الأحمر , وثبير , ورضوى , وورقان .
قيل إن بناء آدم عليه السلام , وبناء الملائكة عليهم السلام بناء واحد , آدم يبني والملائكة تساعده .
بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام البيت بأمر من الله على قواعد بناء آدم عليه السلام .
كان بناء إبراهيم عليه السلام بالحجارة رضما بدون مونة أو خلطة ماسكة بين الحجارة , وكان يبني كل يوم " ساقا " أي صفا واحدا من الحجارة , ولما انتهى إلى موضع الحجر الأسود طلب من إسماعيل عليه السلام أن يأتيه بحجر ليكون علامة موضع بداية الطواف فجاءه جبريل بالحجر الأسود .
والشكل العام للكعبة المشرفة في بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام مستطيلا , وارتفاعها تسعة أذرع , وطول الضلع الشرقي اثنان وثلاثون ذراعا , والغربي واحد وثلاثون ذراعا , والجنوبي عشرون ذراعا , والشمالي اثنان وعشرون ذراعا , وجعل لها فتحتا بابين ملاصقين للأرض بدون باب يغلق وجعل بداخلها حفرة لتكون خزانة ولم يسقفها وبنى في شمالها عريشا منحنيا زربا لغنم إسماعيل عليه السلام , هو الذي يسمى بالحجر .
عمر بناء إبراهيم عليه السلام أربعة آلاف سنة تقريبا .
حين أرادت قريش تجديد بناء الكعبة المشرفة بعد احتراقها وتصديع السيول لها قررت أن لا تدخل في بنائها مالا حراما . فقصر المال الحلال عن كمال البناء فاختصر جزء منها ملاصق لحجر إسماعيل عليه السلام .
ثم تجزأت قريش جهاتها الأربعة , وكل جهة جزئت إلى أربعة أجزاء اقترعت عليها القبائل فتولت كل قبيلة جزءا .
المواد الخشبية للبناء اشترتها قريش من أصحاب سفينة رومية تكسرت في ميناء الشعيبة واستأجروا أحد ربانها ليساعدهم في البناء على شكل بناء أهل الشام .
لقد شارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا في بناء الكعبة المشرفة كما حل النزاع الذي حصل عند وضع الحجر الأسود في مكانه بالحكمة الإدارية السامية .
جعلت قريش ارتفاع الكعبة المشرفة ثمانية عشر ذراعا , وسقفتها , وجعلوا لها بابا واحدا شرقيا مرتفعا عن الأرض وأداروا على حجر إسماعيل جدارا قصيرا , وزوقوا داخلها , وجعلوا لها درجا داخليا يؤدي إلى السطح , وجعلت فيها دعائم للسقف ستة .
لقد بنى عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما الكعبة المشرفة بعد احتراقها وقصفها بالمنجنيق أيام يزيد بن معاوية . وأعاد بناءها على الوضع الذي كان يتمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ثبت من خلال حديث عائشة رضي الله عنها فكعبها وربعها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام , وجعل لها بابين ملصقين بالأرض , شرقي , وغربي , وجعل داخلها ثلاث دعائم خشبية لحمل السقفين باقية إلى اليوم , وزاد ارتفاعها إلى سبع وعشرين ذراعا .
أما بناء الحجاج فلم يكن بناء شاملا بل كان نقضا لجزء من بناء ابن الزبير وتعديله إلى شكل بناء قريش للكعبة المشرفة .
بناء السلطان مراد خان عام 1040 هـ بعد أن تهدمت الكعبة المشرفة بسبب أمطار غزيرة أسالت السيول هطلت عام 1039هـ وصل الماء فيها إلى منتصف جدار الكعبة . واستغرقت العمارة حوالي ستة أشهر . وكانت قبل عشرين عاما قد ظهرت آثار تصدع في جدار الكعبة المشرفة فعالجها السلطان أحمد خان بتطويق الكعبة المشرفة بحزام معدني مزركش ومذهب حماية لها من التهدم .
والترميم الشامل الكامل الأخير للكعبة المشرفة هو ترميم خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز آل سعود يحفظه الله , والذي سيفرد تفصيل كامل له آخر هذا الباب .