بقلم المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم //أ/ صلاح الاحمدى
ـ حينما كنا فى المعتقل فى أوائل الثمانينات وكان كل من الشيوخ الدعاة يختار مادة معينه يشرحها للإخوة تكون مناسبة له ..وعنده علم فيها وحب لها.. فاختار الشيخ أسامه حافظ الفقه ..واختار الشيخ عصام دربالة تدريس العقيدة .. واختار الشيخ طلعت فؤاد رحمه الله تدريس التاريخ الإسلامي .. واختار الشيخ كرم تدريس كتاب صيد الخاطر.. واختار الشيخ عاصم عبد الماجد تدريس النحو والأصول ..واخترت أنا تدريس الحديث الشريف والسيرة .. حبا ً فى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنني طوال حياتي يغمرني شعور جارف بأن حب الله وحب الرسول هو كل حسناتي .. وأنه أعظم عندي من أي حسنة أو عبادة أو صدقة أو معروف أتيته .. وأن الله لو قبل منى هذا الحب الجارف له سبحانه ولرسوله وللمؤمنين لفزت فوزا ً عظيما ً ..
أسميت هذه الحلقة بحلقة الحديث .. وكا ن موعدها فى التاسعة صباحا ً .. وكان يحضر معنا فى الحلقة اثنين من الإخوة وكانا لا يجيدان القراءة والكتابة ولكنهما اختارا هذه الحلقة بالذات حبا ً فى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبا ً فى سيرته صلى الله عليه وسلم ولعذوبة هذه السيرة ويسر فهمها عند العامة والخاصة .. وكنت قد عينت أحدهما لينادى على الحلقة فى الصباح .. وكان هذا الأخ يتمتع بصوت جميل .. فكان ينادى كل صباح بصوت عذب .. حلقة الحديث .. الإخوة تجتمع فى حلقة الحديث .. هيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا .. فكان باقي الإخوة يستمعون ذلك كل يوم ويبتسمون ويضحكون .. وكان الآخر ينظف الغرفة التي ستعقد فيها الحلقة ويرتبها ترتيبا ً جميلا ً .. فتنظر إليها وكأنها ليست غرفة من غرف المعتقل .. وكأنها غرفة صالون عربية يفترش أهلها الأرض وكان يسود هذه الحلقة جو إيمانى جميل .. وتربطنا ببعضنا مودة عظيمة جدا ً حتى الآن ..
ومما يؤلمنى الآن أن كثيرا ً من أبناء حلقة الحديث والسيرة لم ألتقه منذ قرابة عشرين عاما ً ولكن يغمرنى شعور ٌ بالسعادة كلما تذكرت تلك الأيام الجميلة أو تذكرت أحدا ً منهم .. ومنهم من لقي الشهادة خارج الوطن ولا يعلم أحد حتى الآن أين رفاته ..
ـ وكنت دوما ً أقول للإخوة فى حلقة الحديث لو لم يكن لهذه الحلقة من فضل سوى أنك تظل طوال الوقت تصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه فى شرح الحديث .. وتترضى على الصحابة كلما ورد ذكرهم لكفى ..
وكنت أقول للإخوة لابد أن تحضروا الحلقة بالملابس البيضاء وأن تكونوا على وضوء .. وكنت أقول لهم إذا قلت فى لتشهد السلام عليك أيها النبي فاستحضر كأن الرسول صلى الله عليه وسلم واقف أمامك وأنت تسلم عليه وتقبله وتقبل يده .. وكنت فى أيام المعتقل التى كنت أخلوا فيها للعبادة استحضر هذا المعنى عند قراءة التشهد فكانت تأخذ جسمي كله قشعريره جميله تبعث فىَ الكثير من معاني الإيمان والحب للرسول " صلى الله عليه وسلم " ..
ـ إنني افتقدت اليوم فى حياة الحرية كثيرا ً هذه المعاني الجميلة كلها ..
ـ وافتقدت كذلك يوم أن كنا نحفظ الحديث سويا ً بنغمات جميلة حلوة وبصوت جماعي .. لقد افتقدنا الكثير من هذه المشاعر الجياشة تجاه الأحاديث النبوية وضاع منى حفظ بعض منها نتيجة الحرمان من الدعوة إلى الله بهذه الأحاديث ..
ـ إن الأمة الإسلامية تحتاج إلى من يحفظ لها أحاديث الرسول " صلى الله عليه وسلم " حفظا ً جديدا ً يختلف عن حفظ البخاري ومسلم وابن ماجه وأبو داود وأحمد بن حنبل وغيرهم من الحفاظ الأوائل .
ـ إن الأمة الإسلامية تحتاج اليوم إلى من يحفظ لها أحاديث رسول الله " صلى الله عليه وسلم " حفظ سماع وليس حفظ كتابة.. حيث قد قام الأئمة العظام مثل الإمام البخاري وغيره بمهمة حفظ الكتابة من قبل .
ـ إن حفظ الأحاديث مسموعة لم يلق اهتماما ً يذكر حتى الآن مثلما لقي حفظ القرآن مسموعا ً أهمية عظمى على يد إذاعة القرآن الكريم المصرية أولا ً ثم تسابقت الإذاعات التى تشبهها فى كل البلاد العربية والإسلامية تقريبا ً .
ـ حتى يمكن أن نقول إن القرآن حفظ على مراحل منها مرحلة أبى بكر الصديق ثم المرحلة الهامة وهى أيام الخليفة الراشد عثمان بن عفان والذي يسمى المصحف الموجود بأيدينا بمصحف عثمان نسبة إليه .. ثم تأتي مرحلة مهمة جدا ً من مراحل حفظه وقد حدثت فى القرن العشرين على يد الشيوخ العظام محمد رفعت .. ومصطفى إسماعيل .. والمنشاوي ... وعبد الباسط .. والحصرى .. ونحوهم الذين سجلوا القرآن بأصواتهم مجودا ً ومرتلا ً فى أشرطة .. ولم يكتفوا بتسجيله بقراءة واحدة ولكنهم سجلوه بقراءات متعددة وهذا عمل عظيم أسأل الله أن يأجرهم به .. وأرجو أن تهتم الحركة الإسلامية المعاصرة بجهد هؤلاء المشايخ العظام ولا تقدم عليهم غيرهم بحجة من الحجج الواهية التى نسمعها هنا وهناك .
ـ نريد من بعض علمائنا وخاصة أئمة علم الحديث الشريف ذوى الصوت الجميل أن يسجلوا كتبا ً مثل مختصر صحيح مسلم للألباني أو مختصر البخاري بحيث لا تسرد سلسلة الرواة كلها ويكتفى بالصحابي فقط ..وبذلك سيكون لهؤلاء فضل الريادة والسبق فى هذا المجال مثلما كان لمشايخ القرآن العظام الذين ذكرتهم من قبل فضل الريادة فى حفظ القرآن مسموعا ً .
ـ إننا لا بد أن نعترف لأنفسنا بأن كثيرا ً من الخطباء والوعاظ ومدرسي اللغة العربية والدين وكذلك بعض أبناء الحركة الإسلامية لا يحسنون نطق و قراءة الحديث الشريف بطريقة صحيحة .. وقد يحتاج تصحيح هذا الأمر إلى إذاعة خاصة للحديث الشريف تذيع فقط الحديث الشريف وكذلك شروحه .. وإن كانت إذاعة القرآن الكريم المصرية تقوم بدور جيد فى ذلك فإن الأمة الإسلامية تحتاج اليوم إلى المزيد من سماع حديث رسول الله " صلى الله عليه وسلم " ... وذلك كله يحتاج إلى مؤسسة كبيرة تقوم بذلك.. تمولها الدول .. أو يمولها أثرياء مسلمون حتى تخرج إلى الناس فى صورة لائقة .. وقد يحتاج الأمر إلى قناة فضائية خاصة..
ـ لقد استمتع الشعب المسلم فى مصر وغيرها واستمتعنا معه بذلك الصوت الملائكي العذب للمذيع المشهور – الأستاذ متولي درويش - والذي كان يقرأ بعض أحاديث رسول الله " صلى الله عليه وسلم " قبل بداية قرآن الثامنة مساء ً فى إذاعة البرنامج العام من القاهرة .. وكان يقرأها قبل ذلك فى إذاعة السعودية التى تعتبر أول إذاعة تكتشف فيه هذه الموهبة ..
ـ وإنني أدعوا أمثال الأستاذ / متولي درويش أن يوظفوا بقية عمرهم لهذا العمل العظيم .. ولن يعدموا من يمول هذا المشروع الرباني الذي سيفيد السنة إفادة عظيمة .. وينقلها من دائرة الخواص إلى دائرة كل الناس جميعا ً عواما ً وخواصا ً .
ـ لقد كان للعالم الدكتور / محمد محمد أبو شهبه .. الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر .. تجربة رائدة فى تسجيل الكثير من أحاديث البخارى وشرحها وكانت تذاع من إذاعة السعودية وخاصة فى رمضان وقبل الأذان فى الأيام العادية وكانت تسمى قراءة فى صحيح البخارى.. ولكن هذه التجربه لم تكتمل رغم مكث الدكتور أبو شهبه معارا ً فى السعودية لمدة تزيد عن العشرين عاما ً.
ـ وقد كان للدكتور عمر عبد الرحمن تجربة طيبة فى قراءة صحيح البخاري وتسجيله .. ولكن للظروف الصعبة التى مرت بالدكتور عمر وعدم رعاية هذ1 المشروع من جهة فنية متخصصه فى التسجيلات مات هذا المشروع فى مهده برغم بقاء بعض هذه التسجيلات.. ورغم إذاعتها هنا من هذا الموقع إلا أنها تحتاج إلى من يتبنى إخراجها فنيا ً من جديد
ـ وأرى أن أول كتاب يحتاج للتسجيل والإذاعة هو كتاب " رياض الصالحين للنووي " وذلك لبساطته وسهولته ويسره .. وصلاحيته لكل الأعمار والأفهام .
وكنت أدرس هذا الكتاب للإخوة من قبل وأقول لهم إن فى هذا الكتاب سرا ًعظيما ً ...فكتاب رياض الصالحين يقبل عليه الأزهريون.. والإخوان المسلمون .. والسلفيون .. والجماعة الإسلامية وأنصار السنة.. والجمعية الشرعية.. وإخوة الجهاد والعلماء.. والعوام .. فما سر هذا القبول رغم أنه قد كتبت كتب آخري قد تكون أشمل وأفضل ترتيبا ًمنه !.. ثم أجيب على هذا السؤال ؟
ـ إن هذا السر يكمن فى كاتبه العظيم الإمام النووي
ـ إن الكتاب ليس بمادته فقط ولكنه بإخلاص كاتبه وتجرده عن الهوى وعن علاقته بالله - سبحانه وتعالى .
لقد قضى الإمام النووي حياته كلها لله وفى الله وفى سبيل الله .. قضاها زاهدا ً.. ورعا ..ً صائما ً باستمرار.. لم يغادر مسجده أبدا ً .. فكان صائما ً بالنهار.. وقائما ً بالليل .. طالبا ً للعلم ثم عالما ً ومعلما ً .. أمرا ً بالمعروف وناهيا ً عن المنكر ..حتى أنه انشغل بذلك كله عن الزواج..
ولذلك كنت أقول دائما ً : كتاب رياض الصالحين للنووي فيه بركات كثيرة جدا ً ونفس الكلام ينطبق على شرح صحيح مسلم للنووي حيث انطفأ ذكر معظم الشروح رغم عمقها وعلمها وبقى شرح النووي لمسلم رغم بساطته الشديدة حيث قد يشرح الحديث الكبير فى ثلاثة أو أربعة أسطر ..
هكذا كنت أقول لإخوانى وأبنائي فى الحركة الإسلامية ..الإخلاص هو سر التوفيق والفلاح ودوام الذكر الحسن وكل شيء
ولذلك أقول لكل من يكتب فى الدين والإسلام .. لا تظن الكتابة مجرد تحسين العبارة وضبط الكلمات والمراجعة للأمور الفقهية والأحاديث .. إنه شيء أهم من ذلك كله وقبل ذلك كله .. إن الكتاب هو سر كاتبه
فإذا أردت أن تكتب كتابا ً فلابد أن تسأل نفسك سؤالا ً فى البداية : هل أكتب هذا الكتاب للشهرة أو المال أو ليذيع صيتي أو لجمع أكبر عدد من الأعوان أم أكتب لله وحده سبحانه متجردا ً له دون سواه ؟فإذا كانت الإجابة بنعم .. فلا تكتفي بذلك بل عليك أن تحافظ على هذا الإخلاص والتجرد قبل كتابته وبعد طباعته وحتى آخر يوم من حياتك .. وقد استفدت من الإمام النووي شيئا ً جميلا ً وهو أن أجعل وردا ً يوميا ً فى دعائي لكتبي .. عسى الله أن يبارك فيها ويتقبلها منى .
فهل من مشمر لحفظ السنة (مسموعة) .. وهل يستجيب أمثال الأستاذ/ متولي درويش وهو بالمعاش حاليا ً لمثل هذا النداء .. اللهم وفق .. اللهم أحينا على سنة الحبيب محمد " صلى الله عليه وسلم " وأمتنا على سنته .. وأدم وزد محبتنا فيه " صلى الله عليه وسلم "ووفقنا لخدمة رسالته العظيمة .. والذود عن سنته ودينه.
أمين يارب العالمين المحب للرسول الله " صلى الله عليه وسلم "